الشيخ محمد رفعت الذي

{{ أيُّها المسلمون فقدنا اليوم علمًا من أعلام الإسلام }}

جملة صدرت عن الإذاعة المصرية منذ أكثر من 70 سنة اهتزت لها أرجاء البلاد الإسلامية كلها وانتفضت لها قلوب المُحبين

توفى من كبرنا على صوته في إذاعة الصباح والمساء وقرآن الفجر ، كبرنا على صوته قبل الإفطار في رمضان وعند السحور حتى صار صوته مرتبطًا بروحانيات الشهر الكريم ..

المُحزِن في الأمر أن القنوات المصرية تلهوا كعادتها ببرامجها المتدنِّيه ولم يصدر منهم ولو حرفًا واحدًا عن حياة الشيخ وكأنهم لم يسمعوا عنه من قبل ..

كيف لهم أن ينسوا أعظم قرَّاء مِصر على مر التاريخ ..

لا داعي للعتاب ولاحرج عليهم فما عهدنا منهم إلا ذلك ..

أنا أذكره لكم :

هو الشيخ {{ محمد رفعت }} رحمه الله ، صوتٌ ملائكي لم يُذكر له شبيه على مر التاريخ ، شيخٌ فقد بصره وهو ابنُ السنتان من عمرِه ولكن لم يفقد بصيرته ، ذهب نور عينه وازدهر نور قلبه .

أول من افتتح مدرسة للتجويد الفرقاني بمِصر حتى قيل أنه {{ نزل القرآن بالحجاز وقُرِأ بمِصر }} وهو أول من افتتح بث الإذاعة المصرية بصوته العذب سنة 1934 يتلوا على أمة الإسلام {{ إنا فتحنا لك فتحًا مُبينًا }} حتى سمعت بريطانيا بصوته فطلبت منه إذاعة بي بي سي أن يقرأ لهم سورًا من القرآن بصوته فرفض الشيخ ظنًّا منه بحرمانية قراءة القرآن على غير المسلمين حتى أفتى له الإمام المراغي بجواز ذلك ولا حرمانية فيه فقرأ لهم سورة مريم حتى طافت السورة أرجاء بريطانيا كلها بصوته .

كان رقيق القلب مشاعره جيَّاشة يبكي قلبه قبل أن تذرِف عيناه دمعة !

حُكي عن الشيخ أنه زار صديقًا له على فراش الموت وكان لصديقه ابنة وحيدة هو عائلها الوحيد فنظر للشيخ وهو يتلفظ بآخر كلماته على الدنيا قائلًا : من يرعى فتاتي من بعدي وفاضت روحه لخالقها !

وفي اليوم التالى كان الشيخ يقرأ سورة الضحى حتى وصل إلى قوله تعالى : {{ فأما اليتيم فلا تقهر }} فتذكر الفتاه وكلمات صديقه وانهال في البكاء ثم خصص لها مبلغًا من ماله وتولى أمرها حتى زوَّجها .

قال عنه علي خليل شيخ الإذاعيين : إنه كان هادئ النفس تشعر وأنت جالس معه أن الرجل مستمتع بحياته وكأنه في جنة الخلد كان كيانًا ملائكيًّا ترى في وجهه الصفاء والنقاء والطمأنينة والإيمان الخالص للخالق وكأنه ليس من أهل الأرض

كانت له حنجرة ذهبية لا يصدر منها إلا كلمات الرحمن تتناغم على أحباله الصوتيه !!!

كان صوته فريدًا من نوعه فلُقِّب ب {{ قيثارة السماء }} وصار اللقب علمًا له .

قطع الشيخ شوطًا كبيرا من حياته في رضا الرحمن وقراءة القرآن ، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد أُصيب الشيخ بمرض السرطان وكان الإبتلاء بالمرض في أعز ما ملك ، أصابه السرطان في حنجرته .

ظل يقرأ القرآن بعد ذلك في محاولاتٍ يائسة لمُحاربة مرضه وبينما هو يقرأ آيات من سورة الكهف حتى تقطَّع صوته ولم يستطِع أن يُكمل فأخذ يبكي بكاء الرضيع وطلب منهم أن يذهبوا به لمنزله ليشتد به البكاء !

لم يكن لدى الشيخ ثمن علاجه رُغم صيته وشهرته الواسعة في ذاك الوقت ، فلم يرتزق الشيخ من قراءة القرآن قط بل كان واهبه لله وحده ، عرض عليه ملوك ورؤساء العالم الإسلامي التكفُّل به وبعلاجه وجُمع له المبالغ الضخمة من التبرُّعات إلا أنه رفضها جميعًا .

ويُحكى أن ذهب إليه أحد مُحبيه يعرض عليه المساعدة بالمال إلا أنه رفض ، فخرج الرجل من عنده وبينما يتدلى من على سلم منزله قابل رجلًا يسأله عن شقة الشيخ فسأله ولماذا تريده ، فقال له أنا تاجر أثاث قديم بعث الشيخ في طلبي لشراء دولاب ملابسه ، فأخذ الرجل يبكي على حال حبيبه !

ألحَّ عليه الجميع بالمساعدة إلا أنه استمر في الرفض وعندما سُئِل عن سبب رفضه قال جُملته الشهيرة :

{{ إن قاريء القرآن لا يُهان }}

ظل يُحارب المرض وحده حتى أتى على الدنيا يومًا انتصر فيه سرطان الأرض على قيثارة السماء يوم 9 مايو 1950 وتوفى الشيخ {{ فقيرًا ووحيدًا }} عن عمر ينهاز 68 سنة .

تنساه ألسنتنا ولكن تذكره قلوبنا دومًا .

رحم الله الشيخ {{ محمد رفعت }}