أخبار مصر اليوم نيوزدنيا ودين

حكم الاحتكار في الشريعة الإسلامية

حكم الاحتكار في الشريعة الإسلامية

حكم الاحتكار في الشريعة الإسلامية

 

بقلم :الدكتورة مني سالم محمد 

مدرس الفقة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقليوبية 

حكم الاحتكار في الشريعة الإسلامية

إن الإسلام أباح كل ما من شأنه أن يعمل على تداول السلع في أيدي الناس، بما يسهم في عمارة الأرض، ويشبع حاجات الخلق التي شرعها الله تعالى، ويحقق  الرواج ، وفي الوقت ذاته حرم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ظلم الآخرين والإضرار بهم، والتضييق عليهم وإلحاق المشقة بهم.

وفي الآونة الأخيرة انتشر من بعض التجار حبس السلع الضرورية عن الناس، قصد إغلائها عليهم، وبيعها بسعر أعلى بكثير مما اشتريت به؛ طمعًا في تحقيق مكاسب وثروات ضخمة جراء هذا الفعل.

وهذا الفعل يسميه الفقهاء والاقتصاديون بالاحتكار، وله آثار اقتصادية واجتماعية وخيمة على الفرد والمجتمع، ومن هذه الآثار:

– استغلال المحتكر للمستهلكين بمغالته في الثمن، بل قد يصل به الحال إلى منعها أحيانا من السوق، وهذا يؤدي إلى اضطراب المعيشة وعدم استقرارها، وزيادة البطالة والكسل بين أفراد المجتمع، وارتفاع تكلفة المعيشة، والتضييق على الناس.

فما هو الاحتكار المحرم؟ وما شروطه؟

عرف الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة الاحتكار بأنه:” كل ما أضر بالعامة حبسه” (رد المحتار، ابن عابدين) (6/ 398). وبصورة أخرى:” هو الادخار للمبيع، وطلب الربح بتقلب الأسواق”( المنتقى شرح الموطإ، الباجي، (5/ 15)).

وعليه فكل ما يؤدي إلى ” حبس مال أو منفعـة أو عمل، والامتنـاع عـن بيعـه أو بذلـه حـتى يغلـو سـعره غـلاء فاحشـا غـير معتـاد؛ بسـبب قلتـه وانعـدام وجـوده في مظـانه ، مـع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان” إليه يعد احتكارًا.( فتحي الدريني، بحوث مقارنة في الفقه وأصوله، ص411).

حكم الاحتكار:

ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة على حرمة الاحتكار، وبلفظ الحرمة صرحت المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة، وحكمه عند الحنفية، مكروه، إلا أن الكراهة المطلقة عندهم هي التحريمية. ولا يكون مكروهًا عند الحنفية إلا بتوافر عنصر الإضرار، فإن انعدم الضرر فلا كراهة.

الأدلة على حرمة الاحتكار:

دل على تحريم الاحتكار المتسبب بالإضرار بالناس أدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية: والمعقول:

أولًا: القرآن الكريم:

قال الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ” (النساء، 29.)

وجه الدلالة: قد اقتضت هذه الآية بظاهرها تحريم كل ربح يحصل على وجه محظور (أحكام القرآن، الجصاص، 3/128)، والربح المبالغ فيه في الاحتكار جاء عن طريق محظور، فلذا قد شمله النهي.

ثانيًا: تحريم الاحتكار في السنة النبوية:

قد تواردت أحاديث نبوية عديدة تنهى عن الاحتكار وتحذر منه، بغية تحقيق سوق عادلة تتنافس فيها السلع، وتتوافر فيها المنتجات، ومن تلك الأحاديث الشريفة:

– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» (صحيح مسلم، 3/1223، رقم: (1605)، كتاب: المساقاة، بَابُ تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ فِي الْأَقْوَاتِ.)

وجه الدلالة: يدل هذا الحديث على أن من حبس السعلة يريد إغلائها فقد ارتكب معصية عظيمة، والخاطىء: هو الآثم العاصي. ( سنن ابن ماجه – ط دار الفكر (2/ 728).

– قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ».( سنن ابن ماجه (2/ 728، رقم:( 2153).

وجه الدلالة: يدل هذا الحديث على أن التاجر الذي يبيع ويشتري “مرزوق”؛ أي: يحصل له الربحُ من غير إثم.

ويدل على أن “المحتكر ملعون”؛ أي: آثم بعيد عن الخير ما دام في ذلك الفعل، ولا يحصل له البركة.( شرح المصابيح لابن الملك (3/ 446).

ثالثًا: تحريم الاحتكار من المعقول:

يحرم الاحتكار: – لما فيه ظلم الآخرين والإضرار بهم، لتعلق حق العامة بالشيء المحتكر، عند شدة حاجتهم إليه، ومنع الحق عن المستحق ظلم.( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 129)).

قال الإمام الغزالي: “والعلة في تحريم الاحتكار ، هو: وجود الضرر والإضرار بالآخرين، فإذا وجدا، وقع التحريم وإذا لم يكن ضرار فلا يَخْلُو احْتِكَارُ الْأَقْوَاتِ عَنْ كَرَاهِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ مَبَادِئَ الضِّرَارِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ وَانْتِظَارُ مَبَادِئِ الضِّرَارِ مَحْذُورٌ كَانْتِظَارِ عَيْنِ الضِّرَارِ وَلَكِنَّهُ دُونَهُ وَانْتِظَارُ عَيْنِ الضِّرَارِ أَيْضًا هُوَ دُونَ الْإِضْرَارِ فَبِقَدْرِ دَرَجَاتِ الْإِضْرَارِ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُ الْكَرَاهِيَةِ وَالتَّحْرِيمِ(إحياء علوم الدين (2/ 73))

وشروط الاحتكار المحرم:

ولا يكون الاحتكار محرمًا إلا إذا توافر فيه عدة شروط، وهي

– أن يكون الاحتكار في وقت حاجة الناس إلى تلك السلع المحتكرة؛ حيث إن احتكارها في ذلك الوقت يؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعارها، فإن كان الاحتكار والادخار في وقت السعة والوفرة فلا حرمة.

– أن يقع في الضروريات، أو في الحاجيات، فإن كان في الكماليات، فلا حرمة فيه؛ وذلك لقلة الحاجة إليها.

– أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بعموم الناس.

قال القرطبي:” وأما الذي ينبغي أن يُمْنَع: ما يكون احتكاره مضرة بالمسلمين. وأشدُّ ذلك في الأقوات لعموم الحاجة، ودعاء الضرورة إليها؛ إذ لا يتصور الاستغناء عنها، ولا يتنزل غيرها منزلتها. فإن أبيح للمحتكرين شراؤها ارتفعت أسعارها، وعز وجودها، وشحت النفوس بها، وحرصت على تحصيلها، فظهرت الفاقات، والشدائد، وعمت المضار، والمفاسد، فحينئذ يظهر: أن الاحتكار من الذنوب الكبار.( المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 521).

ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ”(أخرجه أحمد في مسنده، 14/265، رقم: 8617 )، مسند المكثرين من الصحابة، مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.)

وعليه فلا حرمة في ادخار الأشياء التي لا تؤثر بالضرر على الآخرين ” لأن ما لا يضر بالناس شراؤه، واحتكاره لا يخطأ مشتريه بالاتفاق. ثم إذا اشتراه وصار ملكه فله أن يحتكره، أو لا يحتكره. ثم قد يكون احتكاره لذلك مصلحة ينتفع بها في وقت آخر. فلعل ذلك الشيء ينعدم، أو يقل، فتدعو الحاجة إليه، فيوجد، فترتفع المضرة، والحاجة بوجوده، فيكون احتكاره مصلحة، وترك احتكاره مفسدة”.( المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 521)).

وفي الختام أسأل الله تعالى القصد في القول والعمل وهو الهادي والموفق إلى سواء السبيل.

حكم الاحتكار في الشريعة الإسلامية

تابعنا على جوجل نيوز

قم بمتابعة موقعنا على جوجل نيوز للحصول على اخر الاخبار والمشاركات والتحديثات .. متابعة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
رجوع
واتس اب
تيليجرام
ماسنجر
فايبر
اتصل الآن
آخر الأخبار

أنت تستخدم إضافة Adblock

يجب عليك ايقافها لكي يظهر لك المحتوي