مقالات

القرآن الكريم بين الخصائص والفضائل والاحوال

الشيخ عبدالمنعم بسيونى يكتب

القرآن الكريم بين الخصائص والفضائل والاحوال

 

إمام وخطيب ومدرس بإدارة أوقاف إيتاي البارود ثان

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم المرسلين ورحمة الله تعالى للعالمين وبعد، فإن الله تعالى أنزل على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم هِداية للناس الى الصراط المستقيم ، يُنير به الحياة ، ويَهدي به الحَيارَى ، وتحيا به القلوب ، وتزكو به النفوس ، وتتهذب به الأخلاق ، كما قال الله تعالى ” إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرا”( سورة الإسراء: 9)                         

 

ويقول الله تعالى ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ” ( سورة البقرة :2 ) لذلك كان القرآن الكريم هو : أ/ الكتاب الذي نستمد منه صِحة العقيدة ، وتزكية الأنفس ، وبناء الأرواح ، وقِيم الوجدان ، وثقافة العقول ب/ الكتاب الذي يحمل رُوح هدايتنا ونور حياتنا ، فمن تمسك به نجا ، كما قال الله تعالى ” وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” ( سورة الشورى : 52) . ج/ وهو الكتاب الذي انتهت إليه كل كمالات الكُتب السماوية فجاء مُصدِقاً لها ومهيمناً عليها ، كما قال الله تعالى ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ” ( سورة المائدة : 48 ) . الله أكبر إن دين محمد وكتابه ……….. أهدى وأقوم قِيلا لا تذكروا الكُتب السوالف عِنده …….. طلع الصباح فأطفئوا القِنديلا د/ هذا الكتاب هو حبل الله المتين وهو النور المبين المُضيء الذي من استنار به يُهدي إلى سُبل السلام والى طريق مستقيم فيه نبأ من قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا ، من قال به صدق ، ومن عمل به أُجر ، ففي الحديث الشريف الذي رواه الحاكم في المستدرك عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ هذا القرآنَ مأدبةُ اللهِ فاقبَلوا مأدُبتَه ما استطعتَم إنَّ هذا القرآنَ حبلُ اللهِ والنُّورُ المبينُ والشِّفاءُ النَّافعُ عصمةٌ لمن تمسَّك به ونجاةٌ لمن اتَّبعه لا يزيغُ فيُسْتَعْتَبُ ولا يَعوَجُّ فيُقوَّمُ ولا تنقضي عجائبُه ولا يخَلقُ من كثرةِ الرَّدِّ اتلُوه فإنَّ اللهَ يأجُرُكم على تلاوتِه كلَّ حرفٍ عشرَ حسناتٍ أما إنِّي لا أقولُ ألم حرفٌ ولكنْ ألف حرفٌ ولام حرفٌ وميم حرف وإذا كان القرآن الكريم يحمل في ثناياه تلك الخصائص الإيمانية والأحوال النورانية فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا فضل القرآن وكرامة أهل القرآن على اختلاف مراتبهم و تنوع مقامهم ( من المُستمع و المُحفظ و القارئ والمُقرئ ) فهؤلاء جميعاً يدخلون في نِطاق أهل القرآن الكريم . ويظهر فضل القرآن وكرامة أهله من خلال حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلمه و مُدارسته و فقهه ومن تلك الفضائل باختصار : 1- الخيّرية لأهله : فأهل القرآن هم خير الناس لأنهم يحملون في ثنايا صدورهم أشرف كلام وأعظم حديث وهو كلام الله تعالى ، ففي حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه ” ( رواه البخاري ) . 2- الرِفعة لصاحبه إذ أن المسلم مأمورٌ بتقدير أهل القرآن الكريم ومعرفة فضلهم ومكانتهم ، كما جاء في الحديث الذي رواه أَبو داوود عن أبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ … ” ولا تقتصر تلك المكانة في الدنيا فحسب بل يمتد لهم التكريم يوم القيامة كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرَأ وارقَ ورتِّل كما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها ( رواه أبو داود ) 3- الشفاعة لأصحابه يوم القيامة : لما رواه مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ ” . 4- الأجر العظيم لِقارئه : ففي قراءة القرآن فضلٌ عظيم وثوابٌ جزيل ، فقد روى الترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتاب الله فَلَهُ حَسَنَة، والحَسَنَة بِعَشْرِ أمْثَالِها، لا أقول: ألم حَرفٌ، ولكِنْ: ألِفٌ حَرْفٌ، ولاَمٌ حَرْفٌ، ومِيمٌ حَرْفٌ ” . 5- حِفظ البيوت العامرة بقراءته : فالبيت الذي يُقرأ فيه القرآن تتجلى فيه معالم القِيم ، وتظهر فيه سِمات الخير والبركة ، ويُطرد منها الشيطان ، فقد روي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لا تجعلوا بيوتكم مَقَابر، إنَّ الشيطان يَنْفِرُ من البيت الذي تُقْرَأُ فيه سورةُ البقرة ولذلك يقول ابن سيرين ” البيت الذي يُقرأ فيه القرآن تحضره الملائكة وتخرج منه الشياطين ويتسع بأهله ويكثر خيره ، والبيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن تحضره الشياطين وتخرج منه الملائكة ويضيق بأهله ويقل خيره ( مصنف ابن أبي شيبة) كل هذه الفضائل وغيرها تدفع بقلوبنا في كل وقت لا سيما ونحن في شهر رمضان الكريم الى إحياء حال القلوب مع القرآن الكريم ، فقد كان للخلق احوال مع القرآن الكريم ومن ذلك ما يلي : 1- حال الملائكة مع القرآن الكريم : يقول سيدنا أُسيد بن حضير ” بيْنَما هو يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ، وفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إذْ جالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ وسَكَتَتِ الفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجالَتِ الفَرَسُ، فانْصَرَفَ، وكانَ ابنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْها، فأشْفَقَ أنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، حتَّى ما يَراها، فَلَمَّا أصْبَحَ حَدَّثَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالَ: اقْرَأْ يا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يا ابْنَ حُضَيْرٍ، قالَ: فأشْفَقْتُ يا رَسولَ اللَّهِ أنْ تَطَأَ يَحْيَى، وكانَ مِنْها قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فانْصَرَفْتُ إلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلى السَّماءِ، فإذا مِثْلُ الظُّلَّةِ فيها أمْثالُ المَصابِيحِ، فَخَرَجَتْ حتَّى لا أراها، قالَ: وتَدْرِي ما ذاكَ؟ قالَ: لا، قالَ: تِلكَ المَلائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، ولو قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إلَيْها، لا تَتَوارَى منهمْ” ( رواه البخاري ) .                        

2- حال الجن مع القرآن الكريم : فمن جمال القرآن الكريم سمعه فريق من الجن فآمنوا به وعظموه ثم ولوا الى قومهم منذرين ، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه فقال ” وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُواۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (32) ( سورة الأحقاف :29_30_31_32) . 3- حال الانسان مع القرآن الكريم : وإذا كان للملائكة والجن حال مع القرآن الكريم فكذلك ينبغي أن يكون للإنسان حال مع كتاب الله تعالى ، وهذا ما وجدناه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والصالح معين من العُباد والأولياء : أ/ فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم حال مع القرآن يتأثر بكلامه ويعمل بأحكامه ، ويَعظ الناس بهديه ، يقول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ” قالَ لي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ، قُلتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: فإنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيرِي، فَقَرَأْتُ عليه سُورَةَ النِّسَاءِ، حتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قالَ: أمْسِكْ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ( رواه البخاري ) .                                                                                                                             

 

وقد سُئِلَتْ السيدة عائِشةُ : عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: كان خُلُقُه القُرآنَ.( رواه أحمد ) ب/ وكذلك رأينا هذا الحال مع الصحابة رضوان الله عليهم ، لم يكتفوا بقراءته وحِفظه ، بل قرأوا فتدبروا ، وعاشوا في رحابه فاستناروا ، حتى تعلقت به قلوبهم ، وارتبطت بهذا الكتاب نفوسهم ، ومن ذلك : _ حفظ سيدنا عمر بن الخطاب سورة البقرة في ثمان سنوات ، وليس ذاك ضعفاً في حفظه أو وَهَنَاً في ذاكرته ، وإنما غاية الأمر أنه كان حريصاً على الجمع بين العلم والعمل والقول والفعل يقول أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه ” كنا إذا تعلمنا العشر من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نتعلم حلالها وحرامها وأمرها ونهيها ( مصنف عبد الرزاق ) _ وحين نزلت الآيات التي تحث على الانفاق : وجدنا الصحابة يُسابقون في الخيرات ويُسارعون في الطاعات _ وحين نزلت آيات تحريم الخمر والربا وغيرها وجدنا الصحابة يتفاعلون مع القرآن الكريم واقعاً ملموساً وفعلاً محسوساً .                                                                                                                                       

ج/وكذلك عاش الأولياء والصالحون في رحاب القرآن الكريم : تزينوا بأخلاقه فنالوا من بركاته ، وتحلوا بهديه فكساهم الله بأنواره ، ورتلوه بقلوبهم فأجري الله الحِكمة على ألسنتهم ، والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة في تاريخ أمتنا وتراجم علمائنا ، ومن ذلك مثلاً : جاء في ترجمة الإمام نافع ( وهو عَلمٌ من أعلام القراءات القرآنية ) : أن الإمام نافع كان إذا تكلم أو قرأ يُشمّ من فمهِ رائحة المسك فقيل له : يا أبا عبد الله أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس ؟ قال : ما أمس طيباً ولا أقرب طيباً ولكني رأيت فيما يرى النائم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في فيّ فمن ذلك الوقت أشمّ من فمي هذه الرائحة ، وهذا ما أشار إليه الإمام الشاطبي في قوله : فَأَمّا الكَرِيمُ السِّرِّ فِي الطِّيبِ ….. نَافِعٌ فَذَاكَ الذّي اختَارَ المَدِينَةَ مَنْزِلًا وقيل للإمام نافع: ما أصبحَ وجهَكَ، وأحسنَ خلقَكَ؟! قال: فكيف لا أكون كذلك وقد صافحني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعليه قرأتُ القرآن، يعني: في النوم” [غاية النهاية 2/ 332]. فهنيئاً لأهل القرآن فهم في الدنيا مصابيح هِداية وتيجان النور يوم القيامة ، بيّد أنه ينبغي في وقتنا الحاضر أن ينتقل أهل القرآن من دائرة حِفظ القرآن الى دائرة العلم بالقرآن الى دائرة العمل بالقرآن ، وكل ذلك من خلال أدوات ومناهج العلم والمعرفة التي سار عليها علماء الإسلام قديماً وحديثاً كالإمام فخر الدين الرازي ، والقرطبي والطاهر بن عاشور والشيخ الشعراوي والشيخ محمد سيد طنطاوي وغيرهم من علماء الأمة اليوم في أرجاء المعمورة ، من أزهر مصر وزيتونة تُونس ومعاهد المغرب….. 

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تابعنا على جوجل نيوز

قم بمتابعة موقعنا على جوجل نيوز للحصول على اخر الاخبار والمشاركات والتحديثات .. متابعة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
رجوع
واتس اب
تيليجرام
ماسنجر
فايبر
اتصل الآن
آخر الأخبار

أنت تستخدم إضافة Adblock

يجب عليك ايقافها لكي يظهر لك المحتوي