يوسف في قصـر العزيز.

يوسف في قصـر العزيز.
صالح الصادق سلطان

قراءة تأملية في سورة يوسف (11) : يوسف في قصـر العزيز.
بيّن القرآن أن {برهان ربه} كان سببا في صرف السوء والفحشاء عنه، فقال: {كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ}، والسوء مقدمات الرذيلة، والفحشاء الرذيلة نفسها، وهذه هي معية الله ليوسف، حماه وحفظه، وهذا التكريم حدث ليوسف لإخلاصه، قال تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} الذين أخلصهم الله بكرامته فأطاعوه، ولذلك قيل: من يصل إلى كرامة الله بطاعة الله فهو مخلِص (بكسر اللام)، ومن يصل إلى طاعة الله بكرامة الله فهو مخلَص (بفتح اللام)، والصفة الوحيدة التي تجعل صاحبها أقوى من الشيطان هي الإخلاص، حيث أقسم إبليس لربه قائلا: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلَصين}.
ولم يتوقف الأمر عند الرغبة المصحوبة بالعزم من امرأة العزيز، بل أصرت على تمكينه منها، فاقتربت منه فجرى منها ناحية الباب، فجرت وراءه، وأمسكت بقميصه من الخلف، فوصلا إلى الباب معا، وفتح الباب فوجدا العزيز قادما، وقد صور القرآن ذلك المشهد في قوله تعالى: {واسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}، وتعبير {استبقا الباب} يشير إلى عدة دلالات:
الأولى: التعبير عن الجري بالاستباق يوحي بإصرار يوسف على الهروب، وإصرار امرأة العزيز على منعه بدليل تقطيع القميص من شدة الجذب بينهما.
الثانية: الاستباق يدل على القوة الجسدية لهما، فلا يتسابق إلا الأقوياء، وهذا يشير إلى أن امراة العزيز كانت في مرحلة الشباب.
الثالثة: الاستباق يدل على اتساع القصر، فالجري لا يكون إلا في مكان واسع.
الرابعة: الباب المقصود هو الباب الأخير من الأبواب المغلقة بالنسبة لهما وهو الباب الأول بالنسبة للقادم من الخارج، ويرجّح ذلك وجود الشاهد مع العزيز، إذ لا يُتصوَّر أن يدخل الشاهد إلى الغرفة الخاصة بامرأة العزيز، فهذا الباب أشبه بباب الشقة، والأبواب الأخرى التي أغلقتها أشبه بأبواب الغرف الداخلية للشقة، وكون يوسف وزليخا يصلان جريا إلى الباب الأخير يدل على أن يوسف فتح جميع الأبواب السابقة على هذا الباب، وكل ذلك يشير إلى طول الوقت الذي استغرقته امرأة العزيز في محاولة تمكين يوسف منها، وإصرار يوسف على الهروب منها، فلما فوجئا بالعزيز حدث أمر غريب، فما هو؟ للحديث بقية.
ب صالح الصادق سلطان