الأثار و السياحهمقالات
من يحمي التراث ومن يدفع الثمن مصنع السكر بين السطور والاتهامات

كتب / ضاحى عمار
يُعد معبد كوم أمبو، الواقع شمال مدينة أسوان، من أروع المعابد المصرية القديمة، ويتميز بتصميمه الفريد الذي يجمع بين عبادة الإلهين سوبك وحورس، مما جعله مقصدًا سياحيًا عالميًا. لكن في السنوات الأخيرة، تعرض المعبد لبعض الأضرار في بنيانه ونقوشه، وهو ما أثار جدلاً واسعًا حول مصدر هذه الأضرار، خصوصًا مع توجيه أصابع الاتهام إلى مصنع السكر المجاور.
أشارت بعض التقارير الأثرية إلى وجود تشققات في أعمدة المعبد وتآكل طفيف في النقوش، ما اعتُبر مؤشرًا على تدهور بيئي قد يؤثر على سلامة الموقع الأثري. بعض الخبراء رجّحوا أن التغيرات البيئية قد تكون ناتجة عن نشاطات صناعية قريبة، مما دفع البعض إلى اتهام مصنع السكر في كوم أمبو بأنه المتسبب في ذلك، رغم غياب الدليل العلمي القاطع.
يقول الدكتور حسام الجندي، أستاذ الآثار البيئية: نعم، هناك تدهور في بعض الأجزاء، لكن ربط ذلك بنشاط صناعي معين يتطلب دراسات شاملة ومقارنة علمية دقيقة. لا يمكن إصدار الأحكام اعتمادًا على الظنون أو الميول الشخصية.
مصنع سكر كوم أمبو، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد المحلي ويوفر فرص عمل لآلاف الأسر في المنطقة، وجد نفسه في موضع الاتهام دون تحقيق رسمي شفاف. وقد اعتبر كثير من المتابعين هذا الهجوم تحاملًا غير مبرر، يفتقر إلى الموضوعية والمهنية.
وفي تصريح خاص، قال أحد مسؤولي المصنع: نحن نعمل وفق المعايير البيئية وتحت رقابة مستمرة من الأجهزة المختصة، ولم يثبت حتى اليوم عبر أي جهة رسمية أن المصنع هو السبب وراء أضرار المعبد. ما نواجهه هو حملة تشويه ممنهجة تؤثر على سمعتنا وتضر بالاقتصاد المحلي.
واعتبر قانونيون أن توجيه الاتهامات دون أدلة علمية يُعد جرمًا في حق المصنع ويستوجب التحقيق. حيث يقول المستشار محسن الشافعي، المتخصص في القانون البيئي: تحميل مصنع مسؤولية تدهور أثري دون سند علمي أو قضائي هو نوع من التعدي على الكيانات الاقتصادية الوطنية، ويجب ألا يُسمح بذلك تحت غطاء حرية التعبير أو العمل الصحفي.
الأمر لم يقتصر على الجدل البيئي، بل تجاوزه إلى الساحة الإعلامية، حيث سلط البعض الضوء على ما وصفوه بـالمتاجرة الإعلامية بالقضية. فقد نشر عدد من الصحفيين تقارير تهاجم المصنع وتتهمه مباشرة، دون تقديم أدلة علمية كافية، بل ونال بعضهم جوائز صحفية بناء على تلك المواد، وهو ما أثار استياء العاملين في المصنع والمجتمع المحلي.
يقول الصحفي أحمد نجيب، المتخصص في شؤون البيئة للأسف، بعض الزملاء تعاملوا مع الموضوع كوسيلة لجذب الأنظار وتحقيق مكاسب شخصية، دون الرجوع إلى تحقيقات موثوقة أو انتظار نتائج رسمية. هذا يضر بالمهنة قبل أن يضر بالمصنع.
في وسط هذا الجدل، طالب خبراء الآثار والبيئة بضرورة تشكيل لجنة علمية مستقلة تضم ممثلين من وزارتي الآثار والبيئة، بالإضافة إلى أساتذة من الجامعات، لإجراء دراسة ميدانية دقيقة لتحديد مصادر الأضرار بشكل نهائي، بدلًا من الاتهامات العشوائية.
وترى الدكتورة هالة فوزي، خبيرة الترميم البيئي: التحقيق العلمي المحايد هو الحل، وليس الاتهامات الإعلامية. يجب أن نعرف الحقيقة حماية للتراث، وحفاظًا على سمعة مؤسسات الدولة، سواء كانت صناعية أو أثرية.
ما يتعرض له معبد كوم أمبو من أضرار يستحق كل العناية والمتابعة، لكن ما يتعرض له مصنع السكر من اتهامات دون أدلة يعد ظلمًا يجب التوقف عنده. فالحفاظ على التراث لا يجب أن يأتي على حساب مؤسسات وطنية خدمية واقتصادية، بل من خلال توازن مبني على البحث العلمي والدقة في المعلومة، وليس على حملات التشهير والتحامل الإعلامي