مظاهر الظلم والقهر باليتيم

بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 24 سبتمبر 2024
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين ثم أما بعد لقد أمرنا الله عز وجل بإكرام اليتيم، وإن مظاهر الظلم والقهر والإهمال وكل الاضطرابات النفسية التي تحتل نفوس معظم الأيتام، لا علاقة لها باليتم أو بفقد النسب، بل هي من صناعة المجتمع الذي يهمل يتاماه، ولهذا لم يخاطب القرآن الكريم اليتيم لأنه لا دور له في ما حصل له، بل اليتم قدر من الله تعالى لحكمة يريدها وإنما إنصرف بخطابه إلى المجتمع مباشرة يحمله وزر التفريط في فئة من أبنائه كما في الآيتين السالفتين لأن ضمير الخطاب فيهما عائد على الجماعة المسلمة كل من موقعه، ونظير ذلك قوله تعالى ” وأن تقوموا لليتامى بالقسط ”
وقوله تعالى ” كلا بل لا تكرمون اليتيم ” وقوله تعالى “وأما اليتيم فلا تقهر ” وغيرها من الآيات الكريمة، واضعا بذلك أسس المعاملات التي تحمي اليتيم من كل أشكال الظلم الإجتماعي والقهر النفسي، ولفت الشرع الإنتباه إلى ظاهرة اليتم أن جعلها الله تعالى محلا لعدة أعمال صالحة وسببا من أسباب المغفرة ودخول الجنة بإذن الله تعالى، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إنه مصدر دواء نافع في علاج مرض نفسي يشكو منه كثير من الناس وهو قسوة القلب ولو صح من الناس العزم على الشفاء من هذا الداء بهذه الوسيلة، لما بقي على الأرض من يتيم، ونتمنى أن نكون قد توصلنا بهذه الكلمات إلى المسح على هذه الرؤوس الصغيرة التي تشابهت ظروفها.
كزهور متعانقة في مغرس واحد تنتظر الماء والغذاء، كما نرجو أن تكون رسالة إلى المجتمع واضحة لأنه المسؤول الأول عن يتاماه، ولقد خلق الله تعالى الأيتام للحياة فكيف يحل لنا وأدهم بالإذلال والإهمال ؟ وإذا كان سبحانه قد جعل هذه الأغصان الخضراء للثمر، فكيف نقطعها نحن ونجعلها للحطب ؟ فإنه لايصح شرعا ولا طبعا ولا وضعا أن يحرم هؤلاء مرتين، مرة من حنان الأمومة وعطف الأبوة، وأخرى من رحمة المجتمع ورعايته، فنقول هذا ونحن نعلم أن في مجتمعاتنا المسلمة نفوسا رحيمة وقلوبا عطوفة تتلهف لخدمة اليتيم بأن تمسح شعرة على رأسه أو دمعة على خده، ولئن كان التقصير فرديا في هذا الباب، إلا أنه لن يكون عاما بحال من الأحوال.
فالخير باقي في الناس إلى يوم القيامة، ومهما قلنا أو فعلنا، فلن ندرك أبدا كيف هو شعور من يكتشف في لحظة أنه بدون أب أو أم ؟ ولن نعيش أبدا إحساس من أدرك في غفلة من المجتمع، أنه مجهول الوالدين ؟ ولن نحصي مطلقا كم من الأطفال كتب عليهم ألا يروا آباءهم ؟ ولكننا قد ننجح إذا صحت منا النية وإشتدت الإرادة في أن نكون ممن يمسحون دموع هؤلاء الصغار، ويبلسم جروح الكبار منهم ؟ فاللهم اسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تؤاخذنا بفعل المسيئين يا رب العالمين، اللهم انصر ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم ألف بين قلوبهم ووحد جمعهم يا أكرم الأكرمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.