مدير الدعوة بكفرالشيخ يكتب: الصناعه في ضوء الكتاب والسنة

مدير الدعوة بكفرالشيخ يكتب: الصناعه في ضوء الكتاب والسنة.
متابعه محمود علوان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم ، أما بعد:
القرآن الكريم كتاب هداية في المقام الأول، فإن الله تعالى أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأنزل معه الكتاب لهداية الخلق إلى معرقة الله الحق، كما قال تعالى في صدر سورة إبراهيم: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [إبراهيم: 1]، وبجانب ذلك، فإن القرآن قد احتوى على أصول المعارف والعلوم والصناعات، فقد حوى القرآن – كما قال العلماء- علوم الأولين والآخرين، ولا يستطيع أحد أن يحيط به علما على الحقيقية إلا المتكلم به سبحانه وتعالى، ثم رسوله صلى الله عليه وسلم مما أوحى الله تعالى به.
وقد أشار القرآن وحضرة النبي العظيم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى ضرورة الأخذ بالأسباب في مجال الصناعة بما يحقق التقدم الحضاري والسبق المادي ويعود على مصرنا ووطنا والبشرية جمعاء بالخير الوفير، والكسب الحلال، وفيما يلي أوضح للقاريء أهمية الصناعة في ضوء الكتاب والسنة .
أولاً: حديث القرآن الكريم عن الصناعة :
=========================
لقد جاءت الإشارة إلى عدد من الصنائع في القرآن الكريم، والتي منها الخياطة في قوله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ}، ومهنة الحدادة في قوله تعالى {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}، ومهنة النجارة في قوله {أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ}، ومهنة صناعة الغزل في قوله {نَقَضَتْ غَزْلَهَا}، ومهنة صناعة النسيج في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا}، ومهنة الغوص في قوله تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}، ومهنة الصياغة {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا}. وصناعة الزجاج في قوله تعالى: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}، وقوله تعالى: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}، وصناعة الفخار في قوله تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} ، ومهنة الملاحة في قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}، ومهنة الكتابة في قوله تعالى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}، ومهنة الخبز، والطحن في قوله تعالى: {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} ،ومهنة الطبخ في قوله تعالى: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} ، ومهنة غسل الثياب في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، ومهنة الجزارة في قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}، ومهنة الصباغة في قوله تعالى: {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ}،
ومهنة النحت في قوله: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} ، ومهنة الرمي والفروسية في قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} ، وقوله سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} . ومهنة الفلاحة في قوله تعالى {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ}، ومهنة الصيد ـ قال تعالى : {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}، ومهنة الكيالة والوزن في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}.
والمتتبع لآيات الله تعالى يجد فيه أصول كل شيء، وإن لم تكن على وجه التفصيل، وذلك مصداقا لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}.
ويمكن لنا أن نذكر بعد هذا الإجمال تفاصيل هذه الصناعات الواردة في القرآن الكريم من خلال مايلي:
=================================
أ- صناعة السفن: فقد أشار إلى صناعة السفن، واستخدامها، والانتفاع بها، فقال تعالى: ” وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ” [الرحمن: 24]. وقال: ” وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ” [هود: 37]. وقال: ” وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر ” [القمر: 13].
ولفت النظر إليها فقال: ” وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ” [فاطر: 12].
ب- صناعة الطائرات: وأشار سبحانه وتعالى إلى وسائل النقل الحديثة التي تستخدم في السلم والحرب والنفع والضرر، كالطائرات، بقوله تعالى بعد أن ذكر بعض ما يستخدم في هذا الجانب: ” وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ” [النحل: 8].
وكأن الله تعالى يلفت نظر الإنسان إلى شكل الطير وهيئته ليستخدم هذا الشكل، وهذه الهيئة، في صناعة ما يشبهها في الطيران لنفع الإنسان وخدمته، في مثل قوله تعالى: ” أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ” [الملك: 19].
وقوله: ” أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ” [النحل: 79].
فكأن في الآيتين وأشباههما إيحاء إلى الإنسان بالاعتبار والاستفادة.
-وإذا كنا قد أشرنا إلى بعض المواصلات البرية والبحرية والجوية فإن القرآن الكريم قد أشار إلى أن علم الغيب مليء دائمًا بكل جديد وبكل ما لم يكن موجودًا في زماننا كما تشير إليه الآية السابقة ” وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ “.
جـ- صناعة الحديد: ونوه القرآن الكريم بضرورة استخدام الحديد في مجال التصنيع كمصدر من مصادر القوة، والتقدم والعمران، فقال تعالى: ” وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ” [الحديد:25].
وقد علم الله صنعة الدروع لنبيه داود عليه السلام فقال: ” وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ” [الأنبياء: 80].
وقد ألان الله تعالى له الحديد ليسهل استخدامه والانتفاع به فقال: ” وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ*أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍوَقَدِّرْ فِي السَّرْدِوَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ” [سبأ: 10-11].
وأشاد القرآن بما كان يصنع لسليمان عن طريق تسخير الجن له، فقال: ” يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ” [سبأ: 13].
د- صناعة التعدين: وإلى صناعة التعدين أشار القرآن الكريم في قوله: ” وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ” [سبأ: 12].
وأشاد بسد ذي القرنين في قوله: ” آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِقَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ” [الكهف: 96-97].
ويشير سبحانه إلى سبك الذهب والفضة (الحلية) وكذا النحاس والرصاص والحديد (المتاع) في قوله تعالى: ” وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ” [الرعد: 17].
هـ- صناعة الغزل والنسيج والحياكة: ويشير القرآن الكريم إلى تعلم صناعة الغزل والنسيج والحياكة كحاجة ماسة للإنسان في ضرورة الانتفاع بها، فيقول تعالى: ” يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ” [الأعراف: 26].
ويشير إلى بعض موادها في قوله: ” وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ” [النحل: 80].
كما يشير إلى بعض منافعها: ” وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ” [النحل: 81].
وسرابيل الحر: الثياب من القطن والكتان والصوف وسرابيل البأس: الدروع.
وقد ضرب القرآن المثل بهذه الصناعة إشادة بها، فقال: ” وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ” [النحل: 92] وكان بعض النساء في البوادي يغزلن الوبر ويجدلن الشعر بهدف اتقاء الحر والقر.
و- صناعة الجلود: وأشار القرآن الكريم إلى الانتفاع بصناعة الجلود، فقال: ” وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ” [النحل: 80].
ز- النهضة العمرانية: وعن البناء والقصور المشيدة والنمو العمراني والحضارة المادية، يلفت القرآن النظر إليها في مثل قوله: ” إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ” [الفجر: 7-8].
وقوله: ” وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ” [الأعراف: 74].
وقال: ” وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي ” [الفجر:9] أي يقطعون الصخر وينحتونه بالوادي. وقد كان قوم صالح ينحتون البيوت في الصخر والجبال.
وقال أيضا: ” أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍآيَةًتَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ” [الشعراء: 128-129].
ح- الصيد: وفي مجال الصيد البري والبحري يقول تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ” [المائدة: 94]. ويقول أيضا حل وعلا ” أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ” [المائدة: 96].
ويقول عز وجل ” وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ” [النحل: 14].
ويقول سبحانه وتعالى” وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ” [فاطر: 12].
والحلية هي اللؤلؤ والمرجان؛ ويقول الله تعالى عن استخراجهما: ” يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ” [الرحمن: 22].
ثانياً: الأحاديث النبوية التي تحث على الصناعة.
***********************************
لقد رفع الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من شأن الصناعة فعدها من أفضل الأعمال.
ومن الأحاديث التي تُرغّب في الصناعة والعمل ما يأتي:
===================================
١. عن أبي ذر رضى الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله» قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها» قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعًا أو تصنع لأخرق» ( متفق عليه) عاجز، أي أن من لم يحسن عمله فهو أخرق.
لقد عمل سيدنا زكريا عليه السلام في النجارةوالخشب ،أخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان زكريا عليه السلام نجاراً. وفي المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما: وكان إدريس خياطاً.
وتحدثنا السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “كان رسول الله يخصفُ نعله, ويخيط ثوبه, ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته” أخرجه الترمذي وأحمد. وعمل نبينا محمد في رعي الغنم كما ثبت في صحيح البخاري أنه قال: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة . ومارس رسولنا صلى الله عليه وسلم التجارة بأموال خديجة رضي الله عنه مضاربة, وبعد الهجرة كان كسبه أفضل كسب: وجعل رزقي تحت ظل رمحي..
فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرعى الإبل والغنم، وقد شارك في بناء الخندق يداً بيدٍ مع سائر المسلمين، وكان يخيّط ثيابه ويرقّعها ويغسلها بيديه الطاهرتين الكريمتين، وكان يطلب الرزق ويعمل بكسب يديه، وكم من المواقف والأحاديث التي ثبتت عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- تحثّ على العمل وتثني على كل عامل يأكل من عرق جبينه.
٢. الصناعة أطيب المكاسب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» (صحيح البخاري بشرح فتح الباري للحافظ ابن حجر).
ففيه فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره غيره له، وهو في مقام الاحتجاج على أن الكسب من عمل اليد.
٣. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَولده مِنْ كَسْبِهِ). رواه ابن حبان.
٤. قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا). صحيح الجامع.
٥. ومن الأحاديث التي حثّ فيها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- على العمل بدلاً من سؤال الناس الصدقة ما يأتي: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ يَسْأَلَ أحَدًا، فيُعْطِيَهُ أوْ يَمْنَعَهُ). رواه البخاري. وقد قال عمر بن الخطاب:”إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول :له حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني”.
٦. قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السُّفلَى واليدُ العليا المُنفِقةُ والسُّفلَى السَّائلةُ). رواه البخاري.
٧. قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لَأَنْ يأخذَ أحدكم حَبْلَهُ، فيَأْتِي بحِزْمَةِ الحطبِ على ظهرِهِ فيَبيعها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خيرٌ لهُ من أن يسألَ الناسَ، أعطوهُ أو منعوهُ). رواه البخاري.
٨. وقد كان صلى الله عليه وسلم يرفع من شأن الحرفيين, فيجيب دعوتهم. فعن أنس بن مالك قال: “إن خياطا دعا رسول الله ، لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله إلى ذلك الطعام، فقرب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء، قال أنس: فرأيت رسول الله يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم” . متفق عليه.
٩. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “جاء رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، فقال لغلام له قصاب –لحَّام-: اجعل لي طعاما يكفي خمسة، فإني أريد أن أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فإني قد عرفت في وجهه الجوع، فدعاهم، فجاء معهم رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا قد تبعنا فإن شئت أن تأذن له فأذن له وإن شئت أن يرجع رجع، فقال: لا بل قد أذنت له.
١٠. وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بالمبدعين من أصحاب الصنائع، ويوكلهم بالأعمال. فعن قيس بن طلق عن أبيه قال: بنيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة فكان يقول:” قدموا اليمامي من الطين فإنه من أحسنكم له مسا رواه ابن حبان، وزاد أحمد: وأشدكم منكباً. رواه أحمد.
ثالثاً: الصناعة في حياة العلماء والمصلحين.
**********************************
كان العلماء الكرام يعملون في أمر معاشهم, ولم يكونوا بطالين, بل كانوا أصحاب مهن وحرف, فمنهم اللحام والجزار والبزاز والحداد، والخياط والنساج والنجار والحجام, وقد احترف التجارة منهم ناسٌ براً وبحراً ، عملاً بقوله سبحانه:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} [القصص:77].
وبقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].
وعلى هذا النهج سار جمع غفير من المصلحين من سلف هذه الأمة، فانخرط رموزها وعظماؤها في الاحتراف والعمل لكسب الرزق إذ كانوا أصحاب حرف ومهن، وكانوا مع علمهم وزهدهم وتقواهم يسعون في هذه الدنيا, سعيا وراء عيشهم ورزقهم وقوت عيالهم, ونسب جمع من عظماء الأمة وعلمائها إلى المهن فكان منهم:
الآجري، نسبة إلى عمل الآجر وبيعه.
الباقلاني، نسبة إلى الباقلا وبيعه.
التوحيدي، نسبة إلى بيع التوحيد وهو نوع من التمور. والجصاص، نسبة إلى العمل بالجص وتبييض الجدران. والحاسب، نسبة إلى من يعرف الحساب.
والقطعي، نسبة إلى بيع قطع الثياب.
والقفال، والخراز، والخواص، والخباز، والصبان، والقطان، والحذاء، والسمان، والصواف، والزيات، والفراء …
إن انتساب هؤلاء العلماء الأجلاء للحرف أعطى صبغة العزة لأهل هذه الحرف, حتى لم يكد يوجد في المجتمع الإسلامي من ينتقص الحِرَفَ, أو ينتقص من شأن أصحابها، ولمَّا كان العلماء يعتمدون في كسبهم على عمل اليد أو على قسمهم من أوقاف المسلمين عليهم كانت أقوالهم تصدع بالحق ولا يبالون في الله لومة لائم.
وهكذا نجد أن الإسلام يشيد بالعمل في شتى ميادينه المشروعة، ويعتبر ضروب السعي للمعاش لونا من العبادة، ويرغب فيه، ويحث عليه، ويعتبره من أفضل الأعمال والقربات التي يُؤجَر المرء عليها، وهو فرض على الكفاية بالنسبة لجميع المسلمين، إذ لا بد أن يكون في المجتمع المزارع والتاجر والصانع والموظف، ومن يقوم على كل صغيرة وكبيرة؛ وإلا أثموا جميعاً وتعطلت حياتهم، وقد صرب لنا العلماء النقل القويم في العمل والجد والاجتهاد والسعي لطلب الرزق.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يحفظ مصر قيادة وشعبا وأن يجعلها في أمانه وضمانه واحة للأمن والأمان والاستقرار.
كتبه الدكتور/ عبد القادر سليم
مدير الدعوة.بكفرالشيخ