
محبوب الشمس
تقريب المسافه بين الأديب والراوي الشعبي في أدب يحيى الطاهر عبد الله
رؤيه ومتابعة / لمياء جواد الإدريسي
قالوا عنه: كان نحيلاً كعود قمح حلو الحديث والمعشر كعود قصب فنان القامه واللمحة، كان يحفظ قصصه عن ظهر قلب ويلقيها كالقصائد على مرأى ومسمع من الجمهور والأدباء وكانت تلك هي إحدى طرقه لتقريب المسافه بين الأديب والراوي الشعبي.
إنه شاعر القصة القصيرة كما يلقبونه أصدقائه ومحبوه إنه الأديب الراحل “يحيى الطاهر عبد الله”
يقول عن نفسه أنا ابن القرية وسأظل وتجربتي كلها تتجسد في القرية والقرية حياة قائمة هي الكرنك في الاقصر، كان يرى إن ما وقع على الوطن وقع عليها.
وكان يقول عن بلدته :
هي قريه منسية منفية مثلي أنا المنفي المنسي ،وتعتبر قرية الكرنك في مدينة الأقصر هي مسقط رأس أديبنا المبدع.
حيث إنها ملهمة لأهم قصصه ورواياته وأشهرها على الإطلاق وهي رواية “الطوق والأسورة”
ويقول يحيى الطاهر الذي توفي في ٩ ابريل عام ١٩٨١ :
أنه كلما ابتعد عن قريته يعود إليها في المدينة ويبحث عن أهله وأحباؤه ومعارفه الذين يعيشون معه وأنه لا يجد حياته بعيداً عن قريته وعالمها السفلي فيقول حين ألتقي بهم نلتقي كصعايده كأبناء الكرنك ونحيا معاً ألمنا المصري وفجيعتنا العربية وبعدنا عن العصر كشخوص مغتربة
فمن هو يحيى الطاهر عبد الله؟
ولد يحيى الطاهر عبد الله في ٣٠ أبريل عام ١٩٣٨ في قرية الكرنك بالأقصر وقد ماتت أمه حين كان صغيراً ،وقامت خالته بتربيته وتعلم في قريته الكرنك حتى حصل على دبلوم الزراعة المتوسطة عمل حينها بوزارة الزراعةثم انتقل إلى مدينة قنا عام ١٩٥٩ وحينها التقى بالشاعرين
” عبد الرحمن الابنودي”
” وأمل دنقل” الذين انتقلوا جميعاً إلى القاهرة لتبدأ هناك رحلتهم في عالم الأدب والشعر والأضواء .
حينها بدأ الأديب الجنوبي المولد والهوى لقاءه بكبار الكتاب في المقاهي وكان يؤمن “الطاهر” بأنه يجب أن يقول ولا يجب أن يكتب لأنه كان يرى أن أمته لا تقرأ وأنه حين يجيد القول سيجد من يسمعه فكان يحفظ قصصه عن ظهر قلب وكان حين يقول يتكاثر مستمعوه لأنه كان يؤمن أن الناس ليسوا صماً.
وفي مقهى ريش بوسط القاهره كان له لقاءاً عظيماً ومميزاً بالكاتب الكبير يوسف إدريس وأبدى “إدريس” إعجابه بمجموعته “محبوب الشمس” وقدمها في مجلة الكاتب وكانت تلك هي أولى إنطلاقاته وأعظمها.
مميزات العالم القصصي ليحي الطاهر
يتميز عالم يحيى الطاهر عبد الله القصصي بإرتباطه بالناس من حوله وبالمكان وما قد يحتويه من حياة وأساطير فجاء أدبه أسطورياً، متفرداً، ومتمردا على كل ما هو ثابت في العمل القصصي وقد ابتكر لغته الخاصة وارتبط بها وامتزج فيها السرد بلغه لا تخلو من شاعريه وإيقاعات موسيقية وقد سماه البعض من النقاد “بشاعر القصه” وأطلق عليه البعض الآخر” القصة القصيدة”.
وقد حمل” أدب الطاهر” تنوعاَ بين مناخ الصعيد الحاد ومناخ القاهرة وقد كشف للقارئ عن مناطق مجهولة ومسكوت عنها في الحياة اليومية وفي حياه قرى الجنوب بوجه خاص والتي كان يعرف كل دقائقها، وكذلك أجاد في نقل العوالم السفلية لصعاليك القاهرة من خلال الحكايات و الأسرار والتابوهات والأمور المسكوت عنها مازجاً ذلك بنوع من التراث وعالم الاسطورة والخرافة التي تميز بها أدب الطاهر، وقد روى الناقد الراحل “جابر عصفور” عن أدب الراحل يحيى الطاهر عبد الله :
إن أول ما لفت نظره لعالمه هو “قصه جبل الشاي الأخضر” واصفاً إياها أنها حفرت حضورها في ذاكرته بوصفها مثالاً دالاً على عالم “يحيى الطاهر” المتجسد اولاً في قريته وجَسْدَها بوصفها نموذجاً لأشباهها من القرى الغارقه في الفقر والمعجونه بالخرافة.
أهم أعمال “يحيى الطاهر الروائية”
ومن أهم وأبرز أعمال يحيى الطاهر هي قصة
“الطوق والإسوره” والتي تدور كل أحداثها في قريته الكرنك حيث تسيطر عليها الخرافة والجهل والتقاليد والمرض وقد لاقت هذه الرواية نجاحاً مذهلاً حيث تم تجسيدها من خلال عمل سينمائي كان من إخراج المخرج
” خيري بشارة” عام ١٩٨٦ وبطولة “شريهان” “وعزت العلايلي” والمطرب “محمد منير” والفنانه “فردوس عبد الحميد” وآخرون ومن أبرز أعمال أديبنا العظيم أيضاً:
١) ثلاث شجيرات كبيرة تثمر برتقالاً عام ١٩٧٠
٢) الدف والصندوق عام ١٩٧٤
٣) أنا وهي وزهور العالم عام ١٩٧٧
٤) الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة عام ١٩٧٧
٥) حكايات للأمير حتى ينام عام ١٩٧٨
٦) تصاوير من الماء والشمس عام ١٩٨١
وكانت آخر أعماله ” قصة الرسول” ومجموعة قصصية بعنوان
” الرقصه المباحه” والتي كان أعدها للنشر قبل رحيله ولم يقوم بممارسة أي عمل آخر منذ انتقل للقاهرة غير كتابة القصة والأدب وبعض القصص المخصصة للأطفال .
وكان من المعروف عن يحيى الطاهر نهمه للقراءة وكان يدافع عن آراءه حتى الموت وبصدق وحميمية حيث وصفه صديق رحلته “الشاعر عبد الرحمن الأبنودي” بقوله:
أن “يحيى الطاهر” حين كان يكتب قصصه كان يستخدم البسطاء من الناس والمندهشين وهم موضوعات كان يكتبها بصوت عالٍ ويمارس عليهم ألاعيبه اللغوية الخارقة التي هي مزيجاً من العبقرية والعبث والجنون الواعي.
رحيل محبوب الشمس
شكل رحيل يحيى الطاهر عبد الله والذي كان في حادث سير على طريق القاهرة_ الواحات عام ١٩٨١ صدمة كبيرة لجمهوره وأصدقائه ومحبيه فقد توفي يحيى ولم يتم عامه الثالث والأربعون بعد.
وقد كتب “يوسف إدريس” في رثائه مقالاً تحت عنوان
“النجم الذي هوى” قال فيه :
حين رأيت “يحي” كان قادماً لتوه من أقصى الصعيد كان نحيلاً كعود القمح حلو الحديث والمعشر كعود القصب فنان القامة واللمحة والبنية وذلك الخجل الصعيدي الشهم الذي لا تخطئه عين.
كما نعاه رفيق رحلته الأبنودي في قصيدة سماها
“عدوده تحت نعش يحيى الطاهر عبد الله” قال فيها:
يا يحيى يا عجبان يا فصيح
إتمكن الموت من الريح
كنا شقايق على البعد
أنا كنت راسم على بعد
أبويا مات السنه دي
يا رقصه يا زغروته
وفرغت الحدوته
والقرب شأن الشقايق
وخانتني فيك الدقائق
وأمي بتموت وتحيا
وكتب شاعرنا المبدع” أمل دنقل”
قصيدة الجنوبي” ينعي فيها رفيق رحلته مخاطباً ابنته “أسماء الطاهر” بقوله:
ليت أسماء تعرف
ان أباها صعد لم يمت
هل يموت الذي كان يحيا
كأن الحياة أبد
كأن الشراب نفد
وبعد رحيله ترجمت أعماله للغات عدة ك الإنجليزيه والإيطاليه والألمانيه والبولنديه، كما نشرت أعماله الكاملة من خلال مكتبة الأسرة.
رحم الله كاتبنا الكبير وتغمده بواسع رحمته.
تابعنا على جوجل نيوز