قراءة نقدية عن رواية عاموس للكاتب كريم سليمان متولي
كتبت منى عبد اللطيف نائب رئيس قسم الأدب بجريدة مصر اليوم نيوز
قد أقسم الرب بعزة يعقوب قائلا: “لن أنسى شيئا من مساوئهم. ألا ترتعب الأرض من جراء ذلك، فينوح كل ساكن فيها، فتطمو كنهر، وترتفع وتنخفض كنيل مصر”
سفر عاموس
كان هذا مقتطف من سفر عاموس الذي تنبأ بدمار بني إسرائيل بسبب أفعالهم والذي وإن ارتبط مع عاموس كريم سليمان بالاسم إلا أنه اختلف عنه تمام الاختلاف،
فعاموس كريم سليمان الذي رافق موسى النبي وأعان السامري على صناعة العجل ثم سرق من هيكله وفعل فعلته التي غيرت مجريات أحداث الرواية لم يدرك سوءة ما فعل بل أعماه الطمع وظن أنه نجا بفعلته وأن ذهب مصر وفيروز أرضها قد آل له ولنسله من بعده لكن هيهات فما حدث حتما لم يكن في الحسبان…
وفي بداية حديثي عن رحلتي بين دفتي عاموس دعوني أتحدث عن فنيات الرواية التي خطها الكاتب بالفصحى سردًا وبعامية المثقفين حوارًا فتكاد لا تفرق بين عاميته وبين الفصحى لكنها بعثت واقعية واضفت انسيابية على الحوار،
جاء الزمن تصاعديا بتأن حيث بدأ من سنة 1400 ق.م مرورا ب 1955م إلى حاضر الرواية 2020م،
جمعت الرواية بين عدة ألوان أدبية من تاريخي لاجتماعي لقليل من الفانتازيا التي لم تتعارض مع واقعية العمل بل أضفت شيء من الإثارة التي أشعلت مجريات الأحداث واتخمت عقلي بتساؤلات أمطرتها على الكاتب الذي أجاب باستفاضة أنارت بعقلي عدة طرقات لسير الرواية التي في اعتقادي إن بدت سهلة فهي من السهل الممتنع حيث تتسلل بنعومة لأذهان القراء وتخلق حالة من المتعة الوجدانية والتصويرية نظرا لبراعة الكاتب في صياغة المشاهد والأدوار وأبعاد الشخصيات حتى الثانوية منها ولا يرجع ذلك للموهبة فقط بل لدراسته للسيناريو التي أثرت طريحته الأدبية وبثت في شخوصه ومشاهده الحياة وجعلت من القارئ جزءا لا يتجزأ من الحدث فهو طرف ومشاهد ومستمع ومنفعل أحيانا ومسحور أحيانا أخرى…
لعبت الرمزية دورا محوريا في الرواية التي حملت عدة رسائل تضمنت وقائع وشخوص كناقوس حي يصدح بالخطر المحدق وبقيمة مصرنا وتراثنا الذي انفصلنا عنه فأصبحنا كأعجاز نخل منقعر تقتلع رياح الغدر رؤوسنا، تتلاعب بعقولنا ونحن مشدوهين بلا رؤوس منقعرين عن مغارسنا كأرواح بلا هوية معلقين على حافة هاوية النسيان…
تعددت الشخصيات برواية عاموس ولعب كل منهم دورا هاما رواه علينا الراوي العليم الذي عكس أحاديثهم وصراعاتهم الداخلية والخارجية ولم يُهمل حتى الثانوي منهم وأحب أن أثني عن التركيبات النفسية للشخصيات خاصة شخصية جيكوب اليهودي سليل عاموس الذي خرج من مصر صغيرا فسبكته الدنيا بداية من موت أباه وضياعه ووالدته بين لطمات العوز فبيع الجسد ونزفت النفس قهرا واستقرت ظلمة القلب وتفشت كالسرطان فخمرت النفس التي صمتت بين المرارة رابضة باحثة عن فرصة وحين أتت قتلت صاحب العمل الذي سطر خاتمه وصمة مذلة على وجه جيكوب فقتله الآخر قبل سفره بدم بارد وكان في موته تحرر لجيكوب وللظلمة بداخله فصار وحشا ضاريا لا يشغله سوى جمع المال والانتقام، فما علاقة جيكوب بالتنظيم الماسوني، ولما زار مصر، وما علاقته وتنظيمه بالإسلام السياسي؟
ومن هو جمال النوبي، وهل سيقف في مواجهة الخطر رغم ضياعه، أم سيستلم ويغادر، والأهم ما علاقته بتمثال عاموس، وما دور نسرين وساندي في رحلته؟
ومن هو بحر، وما علاقته بالآية الكريمة “فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما” سورة الكهف، وما سر الكنز؟
أما عن الأماكن فلقد لعبت دورا هاما في الرواية فبين حي السيدة زينب والمعز وبلاد النوبة بأكلاتها وعادات أهلها التي أضفت أصالة مصرية ونكهة ميزت الرواية وجعلتني ارغب في زيارة النوبة وتذوق طعامهم ومشاركتهم أفراحهم،
حيث انعكست مصرية الكاتب المترسخة في خطه الذي فاجأني كأول عمل صيغ بتلك البراعة وعلمت أنني أمام كاتب غير عادي أنتظر منه المزيد فعاموس انطلاقة مصرية أصيلة لإعصار أدبي سيعصف بالأفكار ويستقطب الأذهان للعودة إلى الأصول والبحث عن الجذور ومحبة البلد مصر قلب ومنارة العالم ولو كره التائقون…
وأخيرًا..
سأختتم مقالي بكلمة أو رسالة من رواية عاموس وهي:
“من ليس له ماضٍ، لن يكون له مستقبل”
في النهاية أحب أن أشكر الكاتب المبدع كريم سليمان على عمله الفريد، وفكره الراقي، ومصريته التي سعدت بها وخلقت بداخلي أمل في غد محمل بجميل المفاجآت.
تابعنا على جوجل نيوز