
قراءة نقدية لرواية
رقصة التوت
للكاتب والأديب الفلسطيني فوزي نجاجرة .
بقلم الأستاذ/ عدنان العريدي
صدرت الرواية عن دار الرعاة وجسور ثقافية في دولة الأردن الشقيق عام ٢٠٢٣م
هي رواية جديرة بالقراءة والمراجعة،
كبر فوزي وترعرع في قرية وديعة تقع في الغرب الجنوبي لبيت لحم، في ظل مجتمع بسيط من السذاجة والعفوية، مجتمع نشأ وفق منهج عفوي يخلط بين العقيدة والعادات والتقاليد المكتسبة بين ما هو تاريخي وإجتماعي وسياسي وما هو مكتسب من الواقع والتعاليم، وهذه أمور تشكل نظرة من الخارج تأثرت بها طبيعة وبنية أعماله الروائية.
وإن كانت الرواية نتاج رومانسي للطبقة البرجوازية في أوروبا، فإن للراوي العربي رومانسيته الخاصة به، كما للراوي الفلسطيني بشكل عام رومانسيته الخاصة به متأثرة بواقعه الخاص، فالراوي الفلسطيني ليس بمعزول عن واقعه المعاش وحياته الخاصة، فالفلسطيني يسطر الفرح والسعادة كضرورة موضوعية يتمنى أن تكون ويسعى لوجودها، وذلك بعكس الغير الذي يتعاملون معها ككمالية في الحياة ، ولذا نجد أن معظم الروايات الفلسطينية يمكن أن تندرج وفق المدرسة الرومانسية الإجتماعية ويتم تناولها وفق المنهج الواقعي مع وجود التداخل ما بين الواقعي والتاريخي والإنساني والجمالي بنظرة تكاملية وأكثر شمولية.
وللرواية عند الفلسطيني مذاقها الخاص لما ينتاب المتلقي من قواسم مشتركة بين الرواية والراوي والمتلقي، حيث يشعر المتلقي بأنه شريك في عقدة الأحداث وتأزمها فتتشكل لديه الحلول قبل وصولها فيضع لديه المفاهيم الخاصة بما تنعطف إليه الحبكة الرئيسة، أي يتوقع مآل الشخوص والأحداث، أو يختصر الرواية في بضع سطور، ولو كان الأمر كذلك لاختفى أهم عنصر من عناصر الرواية وهو عنصر التشويق الذي يحث القاريء على المتابعة لقياس مدى تطابق الاستنتاجات التي يصلها الراوي في الخروج بحلول الأزمة مع ما يصله المتلقي.
طبيعة الرواية وأحداثها
( رواية رقصة التوت )
صدرت عن دار الرعاة، تقع في مائتين وخمسين صفحة، مكونة من ستة فصول متداخلة ومتتابعة، من الحجم المتوسط، يتعبها خمس صفحات قراءة للرواية من بعض الكتاب وهي من الحجم المتوسط، مغلفة بالعنوان
(رقصة التوت) باللغتين العربية والإنجليزية مع صورة أم بزي فلسطيني تحتضن حمل جنين صور على البطن رأس وكف مقلوب وفي الغلاف الأخير نبذة عن الكاتب بقلم الكاتبة أمل أبو عاصي وصورة للكاتب.
تدور الرواية حول شاب ريفي يدعى أنيس مسلم فقير الحال جاء من القرية ليدرس في الجامعة، يتعرف على شابة مسيحية جميلة تدعى حنان من المدينة يتبادلا أطراف الحديث تتوافق الرؤى
والإتجاهات في المساقات التعليمية والمفاهيم الثورية المقاربة للنظرة اليسارية فيما بينهم تطور الأمور بعد رحلة جماعية قامت بها الجامعة في ربوع الوطن السليب بدءًا من أريحا وانتهاءً بمدينة القدس مستعرضة لبعض الحوادث التاريخية ومدى تأثير وجود الاحتلال عليها، ورغم الفوارق الطبقية والإجتماعية، تنتقل الحالة من الاستلطاف والإعجاب إلى نشوء قصة حب بينهما رغم الحرص والحذر نتيجة الفوارق الدينية والطبقية، فقد قوبلا بمعارضة شديدة من قبل عائلة حنان التي عارضت بشدة زواجهما فأشاعت عن موت حنان ومنعتها من الجامعة بحيث تم حبسها في غرفة مظلمة للحيلولة دون لقائهما، إلا أنهما بمساعدة بعض الأوساط والأصدقاء وأختها صفاء يتم تهريب حنان إلى القرية ويتم عقد قرانهما مرة في الكنيسة ومرة في الجامع فيعيشا في منطقة نائية عن القرية، وبطرق بدائية تتم ولادة توأمين فلسطين ووفاء ورغم ما تعيشه مجتمعاتنا الريفية من تناقض واختلاف النظرة يقوم الكاتب بتذليل الأحداث الثانوية خدمة للفكرة الرئيسية فرغم ما يعانيه مجتمعنا الريفي من تفاوت في طبيعة التفكير والنهج العاطفي السائد إلا أنها أخذت في التنامي لخلق جيل جديد من الشباب منفتح على الجميع ينظر للأمور من منظور أكثر حضارية وحس وطني مندفع ومتنامي، وهذا في حد ذاته يشكل وعي منتمي للأرض والإنسان. يغيب الموت رب الأسرة باستشهاده، وهو الذي شكل درعًا واقيًا للأسرة الحديثة العهد، مما انقلب حال الأسرة والأطفال، فباتت المرأة مطمعا للأخ بسيل الذي شكل نموذجا إجتماعيًا ساقط أخلاقيًا وسيئًا ينافي العادات الإجتماعية، إلى أن يأتِ الجنود ويقومون باغتصاب حنان التي باتت مقطوعة من شجرة، فتقرر الإنتحار بتعليق نفسها في شجرة التوت التي أصبحت هي وحنان عنوان الرواية وكان من الممكن أن تنتهي الرواية هنا لكن الراوي سارع لتنمية الحبكة الروائية وتطويرها لإماطة اللثام عن مآل الشخصيات الرئيسة والنامية في الرواية كناية بتطور الظروف المحيطة بالقصص من الخارج (مثل أوسلو ووجود نيابة ومحاكم ).
فمصير فلسطين ابنة الشهيدين انتهى بالزواج من جمال أما مصير ثائر الذي اختطف وعمره أربع سنوات انتهى بالكشف عن ما أحاطه من غموض حينما تبين أن عمه باسيل باعه لأجنبية حرمت من الإنجاب ومصير وفاء التي رفضت الزواج من ابن عمها علي انتهى بخطفها وقتلها ومصير باسيل الذي وقف خلف الأحداث الدرامية في الرواية انتهى بموته تحت ضربات معول صابرين التي كان أحد أسباب مآسيها من حرمانها من العيش وعدم القيام بواجباته الزوجية فحرمها من ابنيها المعاقين الذين تسبب باسيل في موتهما.
رقصة التوت
إشارة تجسيدية جميلة تربط النص بالعنوان شكل مثابة عنصر كاشف لخفايا النص ومعانيه (فلا تحسب رقصي بينكم طربا فالطير يرقص مذبوحا من الألم المتنبي).
وكأن الراوي يقول تلك أو هي رقصة التوت مما يشكل للقاريء إيحاءًا استطلاعيًا يدفع باتجاه الغوص في ثنايا النص، مما يشكل عنصًرا تشويقيًا يحفز ولولوج النص والكشف عن مدلولات التركيب البلاغي، ليقود القاريء لمنتصف الرواية لحين الكشف عن مأساة تراجيدية أوصلت الفتاة كبطلة رئيسية ساهمت لاحقًا في استكمال عناصر الرواية، وهي عائشة لتكون عنصرًا أساسيًا في استكمال الحدث بعد موتها
الشخوص
شخصيات رئيسية وهما شخصيتان رئيسيتان ساهمتا في إشعال فتيل الأحداث وتسلسلها.
أنيس وحنان في الدرجة الأولى والذين يمثلا أزمة من أزمات المجتمع.
شخصيات نامية تطورت مع تطور الأحداث إيجابيًا
والدة أنيس بلقيس وأخت حنان صفاء وزوجة باسيل صابرين والأطفال فلسطين ووفاء وثائر وجمال
شخصيات سلبية شكلت إشكالية ومعضلة إجتماعية، كشخصية باسيل ومعاون المباحث وأخرى شكلت منحنى من مناحي الفساد في المجتمع.
وشخصيات ثانوية تظهر في حدث أو حدثين وتختفي، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي
اللغة والأسلوب وطرق العرض
لقد تم صياغة اللغة وفق قواعد البناء الوسطي بعيدًا عن التعقيد وإن تخللتها بعض من العامية التي تنبيء أحيانًا عن الغموض، لكن ليس من الصعب فكفكتها وإعادة تركيبها من السياق، لتلبي متطلبات العمل الروائي المتناسب مع طبيعة الشخوص والفوارق العمرية والإجتماعية والطبقية، فمحليًا عم الوضوح البعيد عن التكلف وغير محلي أعتقد أنها تحتاج بعض الحواشي وكان حري بوضعها بين أقواس وشرحها، وبالنسبة للنحو أعتقد ربما كان طباعة ورود ما يحتاج المراجعة.
لقد جاء الأسلوب وفق منظور أكثر شمولية، يخدم المدرسة الأدبية التي حيكت الرواية وفقها، لو اعتبرناها من نتاج المدرسة الإجتماعية ، فلا تخلو الرواية من الأحداث التي أثرت على الواقع النفسي المؤثر على الراوي الذي ليس من الصعوبة على المتلقي الكشف عن معالمه والناتج عن الصراعات الداخلية والأحداث التراجيدية سواءً كان المسبب لها الإحتلال أو باسيل فقد ساوى الكاتب بين وقع النتائج بين الطرفين في النتيجة، كما لا يمكن فصل الأحداث التاريخية والدينية الشعرية في محاولة إغناء العمل الروائي، من خلال إظهار بعض من طبائع بعض الشخوص المنتمية لطبقة الانتلجنيسا (الطلابية).
لقد قام الكاتب باستخدام معظم طرائق العرض الروائي مما ينم عن إطلاع وفير تمتعت به بديهته ومخزونه العميق، اعتمد طرق العرض المتنوع التي تراوحت ما بين السرد القصصي والحوار الخارجي وطرق التداعي الحر وأحيانا الاستطراد . خدمة للحدث الرئيسي وفق عقدة مركبة تخدم الأحداث الثانوية للحدث الرئيسي.