
سيهزم الجمع ويولون الدبر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله أعظم للمتقين العاملين أجورهم، وشرح بالهدى والخيرات صدورهم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفّق عباده للطاعات وأعان، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله خير من علم أحكام الدين وأبان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهدى والإيمان، وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلم تسليما مزيد ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن غزوة بدر الكبري، ولقد بدأت المعركة بخروج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومى قائلا أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبر يمينه.
ولكن حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض، وردّا على ذلك، خرج من جيش قريش ثلاثة رجال هم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، وطلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار، وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرجعهم لأنه أحب أن يبارزهم بعض أهله وذوى قرباه، وقيل أن رجال قريش هم من رفضوا مبارزة هؤلاء الأنصار، فقالوا لهم من أنتم؟ قالوا رهط من الأنصار، قالوا أكفاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بنى عمنا، ثم نادى مناديهم يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ” قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على” وبارز حمزة شيبة فقتله، وبارز علي الوليد وقتله.
وبارز عبيدة بن الحارث عتبة فضرب كل واحد منهما الآخر بضربة موجعة، فكرَّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه، وحملا عبيدة وأتيا به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن ما لبث أن توفى متأثرا من جراحته، وقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم “أشهد أنك شهيد” وفى هؤلاء الستة نزلت الآيات من سورة الحج، ولما شاهد جيش قريش قتل الثلاثة الذين خرجوا للمبارزة غضبوا وهجموا على المسلمين هجوما عاما، فصمد وثبت له المسلمون، وهم واقفون موقف الدفاع، ويرمونهم بالنبل كما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان شعار المسلمين هو أحد أحد، ثم أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجوم قائلا ” شدوا” وواعدا من يقتل صابرا محتسبا بأن له الجنة، ومما زاد في نشاط المسلمين واندفاعهم فى القتال سماعهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم
” سيهزم الجمع ويولون الدبر” وأن الله تعالى قلل المشركين فى أعين المسلمين وأكثر المسلمين في أعين المشركين، فقد كان الرسول قد رأى في منامه ليلة اليوم الذي التقى فيه الجيشان، رأى المشركين عددهم قليل، وقد قص رؤياه على أصحابه فاستبشروا خيرا، وقد جاء في القرآن الكريم ” إذ يريكهم الله فى منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم فى الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور” ويقول تعالى ” وإذ يريكموهم إذ ألتقيتم فى أعينكم قليلا ويقللكم فى أعينهم ليقضى الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور” ومعنى الآيتين أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى المشركين في منامه قليلا، فقصّ ذلك على أصحابه فكان ذلك سببا لثباتهم، ووجه الحكمة في تقليل المسلمين في أعين المشركين هو أنهم إذا رأوهم قليلا.
أقدموا على قتالهم غير خائفين ولا مبالين بهم، ولا آخذين الحذر منهم، فلا يقاتلون بجد واستعداد ويقظة وتحرز، ثم إذا ما التحموا بالقتال فعلا تفجؤهم الكثرة فيبهتون ويهابون، وتكسر شوكتهم حين يرون ما لم يكن فى حسابهم وتقديرهم، فيكون ذلك من أسباب خذلانهم وانتصار المسلمين عليهم.