ازهرالازهر والاوقافاليوم نيوزتعليمحوارقصة دينىمجموعة قصصية

سر المستحيل الذي يتجاهله البشر: بين قدرة الله وعظم عطفه

بقلم الجيوفيزيقي محمد عربي نصار
في حياتنا اليومية، نقف كثيرًا عند عقبات نظنها مستحيلة التجاوز، ونتعجب من تأخر بعض الأمور التي نتمناها، ونحكم بعقولنا البشرية المحدودة على أن تحقيقها صار بعيد المنال. لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون، رغم يقينهم بها، أن المستحيل عند البشر هو هيّن على الله، وأن تدبيره لا يُقاس بمقاييسنا الضيقة، بل بحكمته المطلقة وعلمه الشامل ورحمته الواسعة.
حين بشّر الله زكريا عليه السلام بيحيى، كان زكريا شيخًا طاعنًا في السن، وزوجته عاقرًا لا تلد. من منظور البشر، الإنجاب في هذه الحالة ضرب من المستحيل، لكنه لم يكن كذلك عند الله، فجاء الرد الإلهي واضحًا: “هو علي هيّن” (مريم: 9). هذه الجملة وحدها كافية لتنسف كل شكوك الإنسان حول استحالة تحقيق أي أمر في حياته.
ولم تكن هذه الحالة الوحيدة التي أظهر فيها الله لعباده أن المستحيل في حساباتهم هو مجرّد أمر يسير عليه. فقد تكررت البشارة مع سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، عندما تعجبت من إنجابها في كبرها، فجاء الرد الإلهي: “كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم” (الذاريات: 30).
لكن لماذا لا يتحقق كل شيء فورًا رغم أن الله قادر على ذلك؟
السر يكمن في حكمة الله وعلمه الشامل. لو تحققت كل رغباتنا في اللحظة التي نطلبها، لربما كنا نظن أننا ندير حياتنا بحكمة تفوق حكمة الله (والعياذ بالله). لكن الله يعلم ما هو خير لنا أكثر مما نعلمه نحن، ويدبر أمورنا وفقًا لخطة محكمة تخدم مصلحتنا الحقيقية، لا مجرد رغباتنا المؤقتة.
قد تتأخر بعض الأحلام، لا لأنها مستحيلة، ولكن لأن الوقت لم يحن بعد، أو لأن هناك خيرًا آخر ينتظرنا لم نكن لنراه لو حصلنا على ما نريد في التوقيت الذي نطلبه. فالله عندما يؤجل شيئًا، لا يحرمه، وإنما يبدله بأفضل مما نتوقع، أو يحفظه لنا في وقت نكون فيه أكثر استعدادًا لاستقباله.
قدرة الله بين العظمة والعطف
الله عز وجل ليس فقط القادر على تحقيق كل شيء، ولكنه أيضًا الرحيم العطوف الذي لا يُنزل قضاءً إلا وفيه رحمة حتى لو لم نرها فورًا. تأمل معي كيف قال النبي يعقوب عليه السلام حين فقد ابنيه يوسف وبنيامين:
“فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” (يوسف: 83).
كان يمكن ليعقوب أن يستسلم لليأس، لكنه علم أن الله عليم بحاله وحكيم في تدبير أمره. فكانت النتيجة أن ردّ الله إليه يوسف وبنيامين معًا، بعد أن اجتمع شمل العائلة بطريقة لم يكن ليخطر له بها على بال.
عبر التاريخ، رأينا كيف تدخّل الله في لحظات فارقة ليقلب الموازين، ويحوّل الضعف إلى قوة، والهزيمة إلى نصر، عندما ظن الجميع أن كل شيء قد انتهى. ومن بين تلك اللحظات، نجد غزوة مؤتة، وغزوة تبوك، وحرب أكتوبر، التي رغم اختلاف الأزمنة والظروف، تحمل جميعها الدرس ذاته: النصر بيد الله وحده.
أولا غزوة مؤتة (8 هـ): عندما واجه 3 آلاف مسلم جيشًا من 200 ألف جندي!
لم يكن هناك منطق عسكري يبرر أن يقف جيش صغير مكون من 3 آلاف مقاتل مسلم أمام 200 ألف من الروم وحلفائهم في معركة مفتوحة، لكن الله زرع في قلوب المسلمين ثباتًا لم يعرفه العدو. قاد زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة الجيش واحدًا تلو الآخر حتى استُشهدوا، ثم تسلّم خالد بن الوليد القيادة، فابتكر خطة عبقرية خدع بها جيش الروم، وتمكن من الانسحاب المنظم دون خسائر فادحة.
رغم أن النتيجة لم تكن انتصارًا عسكريًا تقليديًا، إلا أن ثبات المسلمين في معركة غير متكافئة كان انتصارًا في حد ذاته، وأرسل رسالة واضحة بأن الله يؤيد من ينصره ولو كان قليل العدد والعدة.
ثانيا غزوة تبوك (9 هـ): النصر الذي جاء بلا قتال!
في أصعب الأوقات، وبينما كانت الحرارة شديدة، والمؤن قليلة، والجيش الإسلامي يمر بضائقة مالية، قرر النبي محمد ﷺ الخروج لمواجهة الروم في تبوك. كانت الظروف صعبة، وكان المنافقون يحاولون بثّ روح الهزيمة بين المسلمين، لكن الإيمان والعزيمة كانا أقوى.
وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى تبوك، لم يجد الروم إلا جيشًا ضخمًا متماسكًا، ففاجأهم ذلك، وبدلًا من القتال، فضلوا الانسحاب!
إنه النصر الذي جاء بلا معركة، لأن الله ألقى الرعب في قلوب الأعداء، وأثبت أن النصر لا يكون دائمًا بالسيف، بل قد يكون بالخوف الذي يلقيه الله في قلوب خصومك.
ثالثا حرب أكتوبر (العاشر من رمضان 1393 هـ – 1973م): معجزة العصر الحديث
بعد سنوات من الاحتلال الإسرائيلي لأراضي سيناء والجولان، وبعد نكسة 1967، ظن الجميع أن الجيش المصري والسوري لن يكون قادرًا على استعادة الأرض، خاصة أن إسرائيل كانت تملك أحدث الأسلحة، وتحظى بدعم عالمي غير محدود.
لكن ما حدث في 6 أكتوبر 1973 كان أشبه بالمعجزة:
اختيار توقيت غير متوقع للهجوم (الساعة 2 ظهرًا) فاجأ العدو تمامًا.
عبور قناة السويس في 6 ساعات فقط، وتحطيم خط بارليف الذي قيل إنه “لا يُقهر”.
خداع استراتيجي محكم جعل العدو يظن أن الحرب مستحيلة في ذلك الوقت.
لقد كان هذا النصر تجسيدًا واضحًا لقوله تعالى: “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (محمد: 7). فقد استعاد العرب كرامتهم، وأثبتوا أن القوة لا تأتي فقط من العتاد، بل من الإيمان والتخطيط والتوكل على الله.
الرسالة الكبرى: النصر والتغيير بيد الله وحده
إذا كانت هذه المعارك قد علّمتنا شيئًا، فهو أن النصر ليس بعدد الجنود، ولا بحجم السلاح، ولا بقوة العدو، بل بإرادة الله وحكمته. قد نمر بظروف صعبة، وقد تبدو الأبواب مغلقة، لكن من يؤمن بأن “هو على الله هيّن”، سيجد أن الحلول تأتي من حيث لا يحتسب.
إذا كنت اليوم تنتظر فرجًا أو رزقًا أو تحقيق حلم يبدو بعيدًا، فاجعل يقينك بالله هو أساس نظرتك للحياة. لا تقل “هذا مستحيل”، بل قل: “إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون” (يس: 82).
حين ترى الأبواب مغلقة، تذكر أن الله ليس بحاجة إلى الأبواب أصلاً، فهو يفتح لك من حيث لا تحتسب. وحين تعتقد أن أمورك تعقدت، ثق أن الله يدبرها في الخفاء بطريقة تتجاوز خيالك.
فقط ثق بالله، وآمن بحكمته، وكن صبورًا، لأن تدبيره لا يأتي متأخرًا أبدًا، بل يأتي في اللحظة التي يجب أن يأتي فيها، وبالطريقة التي تليق بعظمته ورحمته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
رجوع
واتس اب
تيليجرام
ماسنجر
فايبر
اتصل الآن
    آخر الأخبار