
رسول الله والتربية الأولي والثانية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
رسول الله والتربية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله الهادي إلي الحق البشير النذير، فلقد مرت ثلاثة عشر عاما في أم القري مكة المكرمة في تربية للأمة الإسلامية على الضبط والإحكام، ومهدت هذه الأعوام من التربية للأعوام العشرة المدنية التي تلتها، وفي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تربية ثانية يُؤخذ بها المؤمنون، تختلف عن التربية الأولى قليلا في مظهرها واتجاهها لا في روحها وحقيقتها، فكانت التربية الأولى ضبطا للنفس وصبرا على الأذى وتبليغا وإعدادا للعدة مع حبس دواعي الانطلاق وكف حدة الإقدام، أما التربية الثانية فهي تبنى على الأسس السابقة، ثم تدفع المؤمنين دفعا قويا إلى الانطلاق في سبيل الله للضرب على أيدي أعداء الله بقوة لا تعرف الضعف، وعزيمة لا تعرف الوهن.
ومهدت هذه الأعوام من التربية في المدينة للأعوام التي تلتها، والتي امتد فيها الإسلام إلى أقصى المشرق وأقصى المغرب على أيدي الربانيين الذين هم الترجمة الحية للعقيدة الإسلامية الصحيحة، والتربية الإسلامية الشاملة، وقام رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم بتربية الصحابة وتعريفهم علي حقوق الوالدين وكبار السن، وأن من حقوق الآباء على الأبناء هو برّهما بعد مماتهما، فبرّ الوالدين لا ينقطع بالموت، وحقهما لا ينتهي برحيلهما عن هذه الدار، بل هو مستمر ودائم مدة بقاء الأبناء على قيد الحياة لأن حقوقهما لا تنحصر في خدمتهما والنفقة عليهما بل لهما حقوق يحتاجانها بعد رحيلهما، وهذه دعوة لمن قصّر في بر والديه في حياتهما، أو كان صغيرا عند وفاتهما، أن يستدرك ما فاته من البر بعد وفاتهما.
فمن بر الوالدين بعد وفاتهما هو زيارة أقاربهما وأهل وُدّهما، ففي زيارة الأقارب وصلة الأرحام بر بالوالدين، وفي صلة أهل وُدّ الوالدين من الأحباب والأصدقاء بر بالوالدين، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال يا رسول الله، إني أذنبت ذنبا كبيرا، فهل لي من توبة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألك والدان؟ قال لا، قال ” فلك خالة؟ قال نعم، قال “فبرّها إذن” رواه أحمد، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الخالة بمنزلة الأم” رواه البخاري ومسلم، وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه.
فقال ابن دينار فقلنا له أصلحك الله، إنهم الأعراب، وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر إن أبا هذا كان وُدّا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن أبرّ البر صلة الولد أهل وُدّ أبيه ” رواه مسلم، ومن بر الوالدين بعد وفاتهما هو الدعاء لهما، فذلك من أفضل ما يقدمه الأبناء لآبائهم بعد وفاتهما، أن تدعو لهما بالرحمة والمغفرة، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، فذلك مما أمر الله تعالى به، فقال سبحانه وتعالي ” وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” والدعاء للوالدين من هدي الأنبياء والرسل فقد قال تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام “ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب”