جنيهًا.. قد تكون ثمن حياة طفل

٥٠ جنيهًا.. قد تكون ثمن حياة طفل
بقلم: محمود سعيد برغش
في بعض الأحيان، تأتي اللحظات التي تُذكّرنا بأبسط الأشياء التي يمكن أن تُحدث فارقًا في حياة شخص آخر. قد نعتقد أن التبرعات الكبيرة فقط هي التي تحدث فرقًا، لكن الحقيقة أن أقل القليل قد يكون أكثر من كافٍ لتغيير مصير إنسان، بل وربما إنقاذ حياته.
في مستشفى “أبو الريش” للأطفال، لا فرق بين العائلة الغنية أو الفقيرة، كلهم في حاجة، ولكن الفرق يكون في حجم الدعم الذي يتلقونه. في يوم كنت فيه في زيارة لتقديم تبرع صغير، شاهدت مشهدًا لا يمكن نسيانه.
طفل صغير، لم يتجاوز الخامسة من عمره، كان يحمل في يدي أبيه، مكفّنًا. كانت الأم تركض خلفهما، تتوسل إلى القدر، تنادي “لو لاقينا ميكروباص هنتصرف”، لكن ليس لديهم من المال ما يكفي لتأمين وسائل نقل لابنهم الذي فارق الحياة.
كنت في حالة صمت مطبق، لا أستطيع تحريك ساكن. بينما كنت في حالة ذهول، اقتربت مني فتاة صغيرة، قالت لي بلهجة صعيدية: “ده كان داخل برجليه، أمه كانت بتصرخ”، ثم أضافت: “إحنا من أسوان، وكانوا قاعدين عند قرايبنا هنا، أخويا كان واقف جنبي شوف في إيده كانيولا”.
إنه مشهد عادي في مكان غير عادي. داخل المستشفى، كنت أشاهد مئات الحالات مثل هذه، كل واحد منهم يركض بحثًا عن أمل. أطفال بلا أحذية، أمهات يتسابقن في أروقة المستشفى، وآباء ينامون على الأرصفة قرب المستشفى، لعدم قدرتهم على استئجار غرفة قريبة.
توجهنا إلى مدير الخدمة الاجتماعية، الذي فتح لنا ملفًا يحتوي على العديد من الحالات الحرجة، تلك التي قد تموت بسبب عدم توفر الرعاية أو العلاج اللازم. أحد الأطفال يحتاج إلى دواء بمبلغ 1000 جنيه، لكن المستشفى لا تملك سوى 200 جنيه فقط. وطفلة صغيرة في عمر 80 يومًا بحاجة إلى جهاز أكسجين، وحالات أخرى لا تعد ولا تحصى.
سألت المدير عن سبب عدم إطلاق حملات دعائية لجمع التبرعات، فأجاب قائلاً: “نحن نعتمد على تبرعات الناس فقط، ولا نملك الأموال للقيام بأي حملات دعائية.” هذه الإجابة كانت بمثابة الجرس الذي يوقظنا من غفلتنا. هؤلاء الأطفال، وهم في أمس الحاجة للمساعدة، ينتظرون الدعم الذي قد يأتي من أشخاص مثلك ومثلي.
عندما نتحدث عن التبرعات، لا يعني ذلك أننا بحاجة إلى أموال طائلة. في الحقيقة، قد تكون 50 جنيهًا كافية لإعطاء أمل لطفل قد يموت إن لم يتلق العلاج. نحن جميعًا نعيش في عالم مليء بالفرص الصغيرة التي يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في حياة الآخرين. علينا أن نُدرك أن المساعدة لا تتطلب ثروة، بل نية طيبة ورغبة حقيقية في التغيير.
طرق التبرع:
زيارة مستشفى “أبو الريش” مباشرة لتقديم التبرعات.
التبرع عبر خدمة “فوري” باسم المستشفى.
التبرع عبر حساب المستشفى في بنك ناصر الاجتماعي.
لنكن جميعًا جزءًا من هذا الخير، ولنساهم في إعطاء الأمل لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليه. القليل منا قد يكون كثيرًا لديهم