أدبمقالات

تعدد دور النشر غول الفساد الأعمى

تعدد دور النشر غول الفساد الأعمى

من سلسلة استقيموا يرحمكم الله

مقالات ذات صلة

بقلم محمد وجيه

الحلقة الأولى

تعدد دور النشر غول الفساد الأعمى

بدايةً وقبل البدء أود أن أعقب على ما جاء من آراء في تعليقات إحدى المسابقات عن تعدد دور النشر، لم يكن الأمر غريبًا عليّ إطلاقًا فكم رأيت من آراء كثيرة في اتجاهات عدة من خلال بعض المجموعات التي أُنشأت لتستقطب أعضاء ولا رقيب عليها، ولأني لست من هواة التعقيب أو الرد على مثل هذه الأمور إلا أنها دائمًا تذكرني بقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حين قال (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة) فقد خلق هذا العالم الأزرق أناس يفقهون كل شيء الطب والهندسة والفلك، والسياسة والأدب وجميع الخبرات، وبكل أسفٍ يتبعهم الكثير جدًا من البشر وذلك لقلة خبرتهم أو لتجارب سابقة سيئة أفقدتهم الثقة بكل شيء فأصبحوا غرقى يتعلقون بقشة لعلها تنقذهم، وأرى أنه لا تثريب عليهم فهذا تطبيقًا عمليًا للحديث في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل وفقدنا التمييز.
وجدت بالآراء أن تعدد دور نشر هو أمر إيجابي وأنها تساهم بانتشار الثقافة واكتشاف المواهب وما شابه من وجهات نظر في معظمها تحدثت بإيجابية بل أكثر من ذلك مؤخرًا من كثرة دور النشر خرجت منشورات سخرية منها (لكل كاتب دار نشر) فهي أمر غير مسبوق في هذا العدد.
إني أخالف الجميع في هذه النظرة التي ليس لها أساس من الصحة إطلاقًا ولأسباب عدة أصف تعدد دور النشر بدجال يسعى للضلال وزراعة الوهم وتزييف الحقائق وعلى سبيل المثال وليس الحصر لأن أبعاد هذا التعدد تحتاج عشرات الصفحات للحديث عنها:

1- تعدد دور النشر تعني أنه لا رقابة على أحد من الجهات المعنية بهم وكيف تكون الرقابة وسط هذا الكم الهائل الغير مسبوق ونتاج ذلك الكم الرهيب من النصب على الأدباء ولا نجد من يحاسب أو من أغلق لأنه انكشف أمره من الجهات الرقابية مما أفقد الأدباء الثقة وأصبح الكل سواء رغم أن مجال النشر كما كل شيء في الحياة به الصالح والطالح ونتاج النتاج أو بالأدق نمت شجرة الشياطين الخرس تحت مظلة واهية
(لا أريد أن أكشف ستره) أو (أنا لا أحب المشاكل) أو أسباب أخرى جميعها أوهام تخالف الحق والعدل فأصبحنا ما بين فاقدي الثقة والخائفين والشياطين الخرس والأعجب نأمل في الإصلاح بأقوال السلبيين أو المتواكلين (انظر لنصف الكوب الممتلئ).

2- كل دور النشر لكي تشارك بأي معرض لابد أن ترسل قائمة الإصدارات لإدارة المعرض وهي محددة بعدد معين يحدده إدارة المعرض ونتاج ذلك ترى العديد من دور النشر تقيم المسابقات المجانية لتكمل قائمتها وقد لا تقيّم أو تقرأ حرف من أي ملف وتوافق على الجميع لاستكمال القائمة المطلوبة ونتاج النتاج هنا أيضاً تجد أعمال لا تمت للأدب بصلة وهي ما نراه جميعا من منشورات سخرية لبعض الكتب وأظنها متداولة كثيرًا ، الأدهى من ذلك أن الكاتب الذي فازا بالنشر المجاني ظنَّ نفسه مبدعًا حقًا ويدعمه بعض المقربين منه مجاملةً وعذرًا إن تنحيت عن لفظ مجاملة فلا أؤمن بشيء اسمه مجاملة والمسمى الحقيقي (نفاق) فزاد ذلك من قناعته، والكاتب إنسان كأي إنسان قد يصيبه الغرور أو التكبر والتعالي وهم بعض ما نراهم الآن رافضين تمامًا أدنى تعقيب أو رأي على كتاباتهم رغم أن الأديب الحق المتطلع للأفضل يتقبل ويحترم ويفكر في كل رأي يقال له بما إنه مبنيًا على أسس علمية أدبية، فتعدد دور النشر كان سببًا في صناعة أشباه الأدباء إن جاز من الأساس أن نضع لفظ أدباء في جملة مفيدة معهم.

3- المعارض الدولية تقام في مكان ما وأيما كان المكان فهو محدد بمساحة معينة، مع كثرة دور النشر كان هناك نتاج مزدوج بفرعين أخطر من بعضهما أولهما إدارات المعارض أصبحت غول يلتهم الجميع فالعدد كبير جدًا وحقهم أن يعلنوا التسلط والتجارة ولا علاقة للأدب في تجارتهم إطلاقًا، فقد وصل إيجار أقل المعارض ما يقارب ويفوق مائة ألف جنيه، وبالتالي على الناشر أن يرفع سعر الكتاب وعليه قلّ انتشار الأدب والكلمة الراقية التي تنير العقول، أما ثانيهما فإدارة المعرض لا تأخذ بالأفضل أو من يقدم شيء متميز بهدف حقيقي، بل تأخذ بداية المقربين والحاشية فلهم المكانة الأولى، ثم المقربين من المقربين فالأعداد كبيرة ولا مجال لاستيعابها كلها، فعلى من يرغب المعارض عليه أن يتقرب من المقربين وينال الرضا لتفتح له الأبواب المغلقة جميعاً.

4- تعدد دور النشر يرسّخ أفتك سلاح مازال مستمر، فكما نعرف أو علينا أن نعرف أن الناشر يتكبد إيجار جناح لا يقل إطلاقًا بأضعف المعارض عن 900 دولار بأقل مساحة ممكن وببعض المعارض لا توجد مساحة إلا بداية من 1200 دولار، إضافة للطيران والإقامة والمصروفات اليومية في المأكل والمشرب والانتقال، وزد على ذلك تكاليف الشحن ذهابًا وإيابًا وبعض النثريات من كراتين ولاصق وإكراميات عمالة أو راتب مندوب، وهناك تعدد من دور النشر وجميعها تعمل في نفس الأجناس بل وبثقة أن بعضهم يخطف الأدباء من بعض ويتسارعون عليهم لأسباب ما، فأصبح الكل سواء في الإنتاج، ومع ارتفاع سعر الكتاب لا تعويض من المعرض إلا بالبعد عن الثقافة بعرض البوسترات والأقلام والألعاب بمعرض كتاب، أو اللجوء للبديل الآخر أو كما ذكرته مسبقاً السلاح الفتاك ألا وهو طباعة الكتب القديمة التي سقطت حقوق الملكية الفكرية لها أو كما تسمى بلغة النشر”البابلك دومين” وهو من أخطر الأسلحة ولكن سنتناوله بمنشور آخر تفصيلًا مع باقي الأسلحة التي هدمت الأدب، وهنا سقط العديد من الأدباء الحقيقين والتهم موهبتهم وجهودهم ذئب مفترس بأنياب أشباه الكُتاب وتجارة ما يباع وإعادة القديم حتى وإن عفى عليه الزمن، وإحقاقًا للحق أتعاطف مع الناشر في هذا الأمر وإن كنت أرفضه لكن من أين يأتي بكل ما أنفقه ليستمر، وهذا بالفعل ما يحدث لمن يخطو بضمير وهدف فقد زادت شكواهم ومعاناتهم وأصبحوا بين قاب قوسين أن يغلقوا، وهو مؤشر مرعب لسقوط الكلمة والهدف والمبدأ وطغيان اللاشيء وأقل الخسائر سقوط الأدباء؛ فيصبح طوق النجاة بالنسبة لهم الإتجاه لأمور أخرى ليتجنبوا الإحباط والشعور بالفشل.

5- تعدد دور النشر جعل من المجال غابة وعليك أن تتعامل بقانون الغاب؛ فوسط هذا الكم الهائل الأمر عسير جدا ولابد من حشد الجيش، لا أبالغ فيما أقول ولنقف بقليل من التركيز ونرى الصورة عن بعد ونتفحصها لندرك الحقائق، فأصبح لكل دار مجموعة من الجنود ينتشرون بالمجموعات المتخصصة يمدحون في دار ما على أنهم كُتاب فيها، أو ينتظرون بنهم مُعلق يرغب بالنصيحة فيلتهمونه، وهم أنفسهم موكلون بالذم والسب في دور أخرى، والكثير من المهازل التي نراها وقد نستوعبها وقد تمر علينا مرور الكرام ولا نبالِ، وأصبح كل من خاض تجربة واحدة ينطق بالتعميم فيضلل آخرون لا يعلمون إلا قليلا أو لا يعلمون.

ليس هذا فقط ما يعد من مساوئ تعدد دور النشر فما لم يقال أضعاف ما قيل واختتم قولي بك عزيزي الكاتب، صديقي وأخي الكاتب أنت لست فاشل لكنك مذنب، مذنبًا بصمتك، بتعليقك على ما لا يرقى تحت راية (مجاملة)، مذنبًا حين رأيت الخطأ والتزمت الصمت.
إصلاح أمرنا بأيدينا نحن ورحمة الله لن تكون إلا باستقامتنا؛ علينا أن نقف ونحاسب أنفسنا ونكف عن صمتنا بقول الحق وليس ما ندعي ونسميه (فضح فلان) إن أردنا أن نستقيم ونصلح كوكبنا الأدبي ونقطع دابر الرويبضة والفاسدين.
استقيموا يرحمكم الله.
تعدد دور النشر غول الفساد الأعمى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار