
بين المطرقة والسندان
قصة قصيرة: محمد سعد شاهين
“اتفضل قهوتك أستاذ منير”
قالها مبتسما هادئا، ورغم الابتسامة كان منير قلقا متوترا وهو يجلس أمام مدير الفرع الذى يستضيفه لأول مرة منذ أن بدأ عمله فى فرع الشركة، فمد يده ليتناول قدح القهوة ويرتشف منه رشفة صغيرة ثم قال فى صوت متوتر:
_ شكرا لحضرتك أستاذ خالد
عاد المدير يبتسم وهو يقول فى هدوء:
_ أراك فى حالة توتر، ما الذى يجعلك هكذا؟
خرج صوت منير ضعيفا وهو يتمتم:
_إنها أول مرة أجلس مع حضرتك ، والاستضافة هنا تعنى لى أمرا سيئا أتمنى أن يخيب ظني فيه.
صمت المدير لحظة، ثم هز رأسه قائلا:
_ يبدو أنك على علم بما سأفصح عنه.
ارتجف منير هلعا وهو يهتف:
_ سيدى الفاضل ..أتمنى أن تسمح لى بمواصلة عملى فى الفرع
عقد المدير حاجبيه وهو يتكلم:
_ أستاذ منير ..أنت تعلم قانون العمل فى الفرع ، أصبح عمرك الآن لا يتناسب مع طبيعة وظيفتك.
هتف فى جزع:
_إنى فى الخامسة والأربعين من عمري فقط. مازلت أستطيع مواصلة العمل .
المدير:
_لسنا فى مؤسسة حكومية ..نحن هنا نلتزم بقانون خاص فى الفرع ، وقد وافقت على تلك الشروط عند بدء عملك وكتبت عقدا بذلك ..
انهار منير وبدأت دموعه تتساقط ..
رأى أمامه ديونه التى تتراكم عليه وهو يغرق داخلها حتى شعر بالفعل أنه لا يستطيع التنفس..
نظر المدير له وهو يغمغم بصوت خافت:
_ إلا إذا….
تعلق منير بالكلمة كأنها طوق نجاة ..
هتف فى لهفة:
_إلا إذا ماذا؟!
نظر له مديره وهو يقول فى لهجة تقريرية:
_ تكمل عملك بمسمى وظيفى آخر
هتف منير فى حيرة:
_ماذا تقصد؟
المدير:
_عمل آخر تستطيع مزاولته فى الشركة، عمل يناسب عمرك ..كالعمل فى أرشيف الشركة مثلا
صمت منير و احتقن وجهه وهو يقول:
_بهذه الطريقة سأكون قد محوت كل الأعوام السابقة لى فى وظيفتى الأصلية هنا..وأنا أعلم أن راتب العمل فى الأرشيف يعادل نصف راتبي أو أقل..
صمت المدير وهز رأسه ومط شفتيه كأنه يحاول أن يرسل له رسالة إما القبول أو الإقالة..
أطرق منير رأسه أرضا ..
دموعه تشق طريقها فى سلاسة ، وغصة مريرة فى حلقه..
ثم تمتم فى خفوت:
_ قبلت العمل الجديد
ابتسم المدير فى ثقة وهتف:
_بالتوفيق ..ستمر على مكتب شؤون العاملين لإمضاء العقد الجديد
ثم وقف ومد يده ليصافح منير ويعلن انتهاء المقابلة..
كانت ساقيه كقطعتين من الإسفنج الرخو وهو يحاول الوقوف ويده ترتجف وهى تصافح مديره..
ثم غادر المكتب وهو يمحو أعواما سابقة