العبقرية والتخطيط وإتخاذ الأسباب
العبقرية والتخطيط وإتخاذ الأسباب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 15 أغسطس 2024
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد، ن من دروس الهجرة النبوية المشرفة هو درس في العبقرية والتخطيط واتخاذ الأسباب، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكلا على ربه واثقا بنصره يعلم أن الله تعالي كافيه وحسبه ومع هذا كله لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها، بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان، فالقائد محمد صلي الله عليه وسلم، والمساعد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والفدائي علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والتموين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، والإستخبارات عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه، والتغطية وتعمية العدو عامر بن فهيرة رضي الله عنه، ودليل الرحلة عبدالله بن أريقط، والمكان المؤقت غار ثور، وموعد الانطلاق بعد ثلاثة أيام، وخط السير الطريق الساحلي، وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل وإتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله تعالي مسبب الأسباب أولا وآخرا، وكما أن من دروس الهجرة النبوية المشرفة هو درس في الإخلاص، حيث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إنه ليس أحد أمنّ علي في نفسه وماله من أبي بكر ” فقد كان أبو بكر الذي يؤتي ماله يتزكى.
ينفق أمواله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالي، ولكن السؤال هنا هو لماذا رفض صلى الله عليه وسلم أخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن ؟ فقال بعض العلماء إن الهجرة عمل تعبدي فأراد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يحقق الإخلاص بأن تكون نفقة هجرته خالصة من ماله دون غيره وهذا معنى حسن وهو درس في الإخلاص وتكميل أعمال القرب التي تفتقر إلى النفقة، كنفقة الحج وزكاة الفطر، وغيرها من الأعمال، فإن الأولى أن تكون نفقتها من مال المسلم خاصة، وكما أن من دروس الهجرة النبوية المشرفة هو درس في التأريخ الهجري، فالتأريخ بالهجرة النبوية مظهر من مظاهر تميز الأمة المسلمة وعزتها ويعود أصل هذا التأريخ إلى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فلما ألهم الله الفاروق الملهم أن يجعل للأمة تأريخا يميزها عن الأمم الكافرة إستشار الصحابة فيما يبدأ به التأريخ أيأرّخون من مولده صلى الله عليه وسلم ؟ أم مبعثه ؟ أم هجرته ؟ أم وفاته ؟ وكانت الهجرة أنسب الخيارات، أما مولده وبعثته صلى الله عليه وسلم فمختلف فيهما وأما وفاته فمدعاة للأسف والحزن عليه، فهدى الله تعالى الصحابة إلى إختيار الهجرة منطلقا للتأريخ الإسلامي، وظلت الأمة تعمل بهذا التأريخ قرونا متطاولة حتى ابتليت في هذا العصر بالذل والهوان ففقدت هيبتها وأعجبت بأعدائها واتبعتهم حذو القذة بالقذة، حتى هجرت معظم الدول المسلمة تأريخها الإسلامي فلا يكاد يعرف إلا في المواسم كرمضان والحج وأرخت بتواريخ الملل المنحرفة.
فلقد نسينا تاريخنا فأنسينا تأريخنا وأضعنا أيامنا فضاعت أيامنا وما لم نرجع إلى ديننا الذي هو عصمة أمرنا فسلام على مجدنا وعزنا والله المستعان، وإن مما يفخر به كل مسلم ما تميزت به هذه البلاد بلاد الحرمين ومهبط الوحي ومهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إعتماد التأريخ الهجري النبوي تاريخا رسميا لكافة مرافقها.
تابعنا على جوجل نيوز