الخوارج الذين خرجوا على الأمة
الخوارج الذين خرجوا على الأمة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد لقد حذر الشارع الحكيم من موضوع التكفير، وإن التكفير شر وأي شر، فنحن عندما نتأمل ما نشأ عنه من المفاسد العظيمة، وما ترتب عليه من الجنايات الجسيمة، ندرك لم كان النبي صلي الله عليه وسلم يحذر ممن سيحملونه، مبينا بعض صفاتهم، ومبرزا جانبا من سماتهم، لعل الأمة تحصن نفسها ضدهم، فقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال “سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” ولقد حمل طائفة من أهل العلم هذا الحديث على الخوارج الذين خرجوا على الأمة يكفرون عصاتها.
ولا يتحاشون عن برها، وإن المتأمل في هذا الحديث يجد أن ألفاظه عامة، ولذا فهي شاملة لهؤلاء المعاصرين أيضا، وأما حمل بعض العلماء هذا الحديث على تلك الفئة التي خرجت زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه لا ينافي أن غيرهم ممن جاء بعدهم يدخل فيهم، وذلك بجامع الإشتراك في الأوصاف التي لأجلها ذم النبي صلي الله عليه وسلم أوائلهم، وقال الحافظ ابن تيمية بعد ذكر بعض الأحاديث التي جعلت من تقدم من أهل العلم يحملون حديث “سيخرج في آخر الزمان” على الخوارج الحرورية وهذه العلامة التي ذكرها النبي صلي الله عليه وسلم هي علامة أول من يخرج منهم، ليسوا مخصوصين بأولئك القوم، فإنه قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال، وقد إتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر، وأيضا فالصفات التي وصفها تعم غير ذلك العسكر، ولهذا كان الصحابة يروون الحديث مطلقا.
مثل ما في الصحيحين عن أبي سلمة وعطاء بن يسار رضي الله عنهما “أنهما أتيا أبا سعيد فسألاه عن الحرورية هل سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكرها؟ قال لا أدري، ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول يخرج في هذه الأمة، ولم يقل منها قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، أو حلوقهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، فينظر الرامي إلى سهمه، إلى نصله، إلى رصافه يتمارى في الفوقة هل علق بها شيء من الدم” فهؤلاء أصل ضلالهم، إعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة ثم يعدّون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرا، ثم يرتبون على الكفر أحكاما إبتدعوها، فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية ونحوهم، في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام، حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية.
وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد رضي الله عنه ” يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد” وهذا نعت سائر الخارجين، فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدّون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين لأن المرتد شر من غيره” وإن الأوصاف التي جمعها الخوارج الجدد، مماثلة لأوصاف أسلافهم، وهي مع جملة أخرى غيرها سبب وقوعهم فيما وقعوا فيه من تكفير ولاة أمورهم ومجتمعاتهم والخروج عليهم واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فمن بين تلكم الأسباب هو حداثة السن، وإن المتأمل في غالب هؤلاء التكفيريين يجدهم صغار الأعمار حدثاء الأسنان، وحداثة السن هنا كناية عن ضعف التجربة، والغيرة غير المتزنة، وإلا فقد يكون من صغار السن من يؤتيه الله الحكمة والعلم، لكنه على ندور، فحداثة السن مذمومة من حيث كونها سمة عامة لأولئك.
وعلامة مطابقة لوصف النبي صلي الله عليه وسلم لهم بذلك، فهي ليست قاعدة مطردة، وإنما أغلبية لها إستثناءات نادرة، والنادر لا حكم له، ومن أظهر علامات أصحابها قيامهم على أهل العلم طعنا فيهم، وتسفيها لهم، وخروجا على مناهجهم، وذلك حتى تخلو لهم حلبة الإرشاد والتنبيه، وتفرغ لهم ساحة القيادة والتوجيه، فيستبدون بأفهامهم القاصرة، ويقتصرون على مداركهم العاطلة، وفـي أمثال هؤلاء قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “ألا وإن الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم، ولم يقم الصغير على الكبير فإذا قام الصغير على الكبير فقد” يعني فقد هلكوا، ونظيره قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير”