الحسن البصري يخطب رابعة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 23 أكتوبر 2024
الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال، أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال، وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر ولا يدركه الوهم والخيال، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين، أما بعد.
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن رابعة العدوية وقيل أنه ذات ليلة شكت خادمة رابعة وتسمي عبدة لرابعة العدوية طول السهر وطلبت حيلة تجلب بها النوم فقالت رابعة يا عبدة إن لله نفحات في الليل والنهار، تصيب القلوب المتيقظة وتخطئ القلوب النائمة فتعرضي لتلك النفحات، فقالت عبدة يا سيدتي أيهما أرجى نفحات الليل أم نفحات النهار؟ قالت رابعة إن هذه النفحات بالليل أرجى لما في قيام الليل من صفاء القلب واندفاع الشواغل، قالت عبدة كيف الليل عليك؟ وقالت رابعة ساعة أنا فيها بين حالتين أفرح بظلمته إذا جاء، وأغتم بفجره إذا طلع، ما تم فرحي به قط ، ما يحزنني شيء سوى طلوع الفجر، وتقول عبدة قالت لي رابعة ذات ليلة يا عبدة هل عجنت العجين، قلت نعم، وراحت رابعة تصلي، وفي سجودها فكرت في العجين هل اختمر العجين.
فلما نامت تلك الليلة رأت في منامها قصرها في الجنة قد تساقطت شرفاته فإنتبهت من نومها فزعة، وصاحت عبدة يا عبدة، فقلت لبيك سيدتي، وروت لي ما رأت في نومها ثم تساءلت يا عبدة هل من أدى الصلاة بلا حضور قلب فهو لاهي، فقلت لها يا سيدتي لقد صلى رجل في بستانه فأعجبه ثمره فلم يدر كم صلى؟ ثلاثا؟ أو أربعا؟ فجعل بستانه صدقة في سبيل الله، فقالت رابعة اخبزي العجين وقدميه إلى الفقراء والمساكين، ومما يحكى عن رابعة، أنه وبعد وفاة زوجها إستأذن الحسن البصري وأصحابه في الدخول عليها، فأذنت لهم وأرخت سترا وجلست وراءه، فتحدثوا إليها، وطلبوا منها أن تتزوج، فقالت لهم ولكن من أكثركم علما حتى أزوجه نفسي؟ فقالوا الحسن البصري، فقالت إن أجبتني في أربع مسائل فأنا لك.
فقال البصري سلي إن وفقني الله أجبتك، فقالت له ما تقول لو مت وخرجت من الدنيا أأخرج على الأيمان أم لا؟ فقال هذا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله، فقالت ما تقول لو وضعت في القبر وسألني منكر ونكير أأقدر على جوابهما أم لا؟ فقال هذا غيب و لا يعلم الغيب إلا الله، فقالت إذا حشر الناس يوم القيامة وتطايرت الكتب أأعطى كتابي بيميني أو بشمالي؟ فقال هذا غيب و لا يعلم الغيب إلا الله، فقالت إذا نودي للناس فريق في الجنة وفريق في السعير كنت أنا من أي الفريقين؟ فقال هذا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله، فقالت من كان له غم هذه الأربعة كيف يشتغل بالتزويج؟ فبكى الحسن ومن معه، والقصة تشير إلى نفس رابعة المنشغلة تماما بإعداد العدة لملاقاة الله تعالى، فزهدت في كل شيء إلا قبوله وحبه.
تابعنا على جوجل نيوز