أدب
الجفاف العاطفي بين الزوجين
.
الجفاف العاطفي بين الزوجين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 12 نوفمبر 2024
الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار ، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد ليست الزوجة فقط هي المسؤولة عن الجفاف العاطفي بين الزوجين.
فالمرأة كثيرا ما تتعرض إلى ما يؤدي بها إلى تعكر المزاج، والقلق، والتوتر كتربية الأطفال، والطمث، وزيادة أو نقص الهرمونات، وعلى الزوج أن يدرك ذلك، وهو أيضا مسؤول عن هذا الجفاف العاطفي عندما يصيبه الفشل في عمله، فينعكس ذلك على علاقته بزوجته وأبنائه، فيحصل الشجار والمشاكل، وإنه ينبغي على كل من الزوجين أن يتفهم غيرة الآخر، خاصة إذا كانت في الحدود المعقولة، على ألا تصل الغيرة إلى الشك ومحاصرة الشريك، ولتتشاركا أيها الزوجان في الرأي والمشورة، وذلك لا يعني أبدا أنك عزيزي الزوج ستتنازل عن رجولتك لأنك صاحب القرار، بل على العكس تماما، فالزوجة عندما تسمعك تقول لها “تعالي يا عزيزتي أريد رأيك في شيء مهم” يكون لذلك أثر قوي في نفسها لأن ذلك يعني أن لها مكانة عالية لديك، وهذا هو ما تريده الزوجة.
ولعل في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين أم سلمةَ رضي الله عنها في صلح الحديبية أكبر دليل، فقد تأثر الصحابة رضوان الله عليهم من بعض ما جاء في الصلحِ، وإحتار الرسول صلى الله عليه وسلم في كيفية إزالة هذا الأثر عنهم، وحثهم على الحلق والعودة إلى المدينة، فسأل السيدة أم المؤمنين، فإقترحت أن يخرج أمام الناس، ويحلق هو أمامهم، فإذا رأوه وهو صلى الله عليه وسلم قدوتهم، فعلوا مثله وإنتهى الأمر، وهذا ما كان فعلا، فإذا كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يستشير زوجته في قرار سياسي بالغِ الأهمية فهل يمتنع بعضنا عن مشاورة زوجته في أمور أقل من ذلك بكثير؟ وعلى كل من الزوجين أن يراعي محبةَ صاحبه لوالديه وأقاربه، وألا يذكر أحدا منهم بسوء، فإن ذلك يوغر الصدور، ويجلب النفرة بين الزوجين.
وكم من زوجٍ تحدث أمام حليلته بمثالب أبيها وسقطاته وهو من هو في جلالة قدره عندها فأحدث ذلك في قلبها ألما أطفأ شمعةَ السعادة المضيئةَ في حياتها مع زوجها، وأشد من ذلك الحديث عن أمها، وإذا قيل هذا للزوجِ، وله القوامة فما بالك بحديث الزوجة عن والدي زوجها بسوء؟ ولسنا نلزم أحدا منهما بمحبة أقارب الآخر، فالقلوب بيد الرحمن سبحانه وتعالي يصرفها كيف يشاء، ولكنا نطالبه بأن يحفظ لصاحبه مشاعره، وكرامته وعرضه، وأقارب كل من الزوجين يجب إحترامهم وتقديرهم وعدم الإساءة إليهم، أما عن علاقة الزوجين بالجيران فتختلف بإختلاف الجيران، فينبغي عليهما تحديد إطار سلفا لعلاقتهما بهم، وينغي مراعاة الإستمرار، والنفس الطويل في العطاء، حتى وإن كان الطرف الآخر لا يبادل العطاء نفسه، وهنا نعود إلى قاعدة “الإخلاص والتجارة مع الله”
وهذه مجاهدة يجيدها من لديه إصرار على نجاحه في بناء أسرته وعلاقته بشريكه، وإن الحياة الزوجية بمعناها الحقيقي حياة عطاء، فهي حياة قوامها واجبات على كل من الزوجين يؤديها قبل أن يطالب بحقوقه، ومن هنا كان لزاما على كل من الزوجين أن يتنازل طوعا عن كل ما كان ينعم به، من حرية شخصية، وإستقلال قبل الزواج، وأن يضحي عن طيب خاطر في سبيل سعادة الآخر، وأن تكون التضحية شعار الحياة الزوجية المشتركة فلا يشعر أحد الزوجين أنه يضحي في حين يضن الآخر بالتضحية، ومن لم يكن لديه القدرة على التضحية فعليه أن يتنحى ناحية من الجبل، وينعزل عن الناس، وألا يطرق باب الزواج.
تابعنا على جوجل نيوز