أدب

التدرج في طريق الدعوة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت دعوته في بدايتها سرية، إلا أن هذا المبدأ غير مشروط في كل دعوة، وإنما يقرر وجوده بحسب الواقع من حيث الزمان، والمكان، كما سار المسلمون في مكة على نهج اعتبار الدعوة مبدأ ثابتا ينبغي السير عليه، ومع ارتباط فكرة سرية الدعوة بالتدرج فيها، إلا أن التخلي عن مبدأ السرية لا يعني ترك التدرج في الدعوة.
فالتدرج قاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية بمجالاتها جميعها، ومن أمثلة ذلك ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابى الجليل معاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن، حيث قال صلى الله عليه وسلم له “إنك تأتى قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فإن أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد فى فقرائهم، فإن هم أطاعوا ذلك فإياكم وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” وكان من المبادئ أيضا هو أخذ الحيطة والحذر، وهذا المبدأ يشمل الدعوة بتفاصيلها ومراحلها جميعها، وليس المرحلة السرية منها فقط، وإنما كان التأسيس لهذا المبدأ في المرحلة السرية.
كما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه السير على مبدأ الحيطة والحذر في مجالات الحياة كلها، أما في المجال الدعوي فيظهر ذلك جليا باختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم لدار الأرقم بن أبي الأرقم عما سواها، وقد اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأرقم لم يتجاوز عمره حينذاك السابعة عشر، فلا يمكن أن يخطر على بال أحد من قريش أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك البيت، وإنما الأصل أن يختار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتا من بيوت كبار الصحابة الذين لا تجرؤ قريش عليهم، كما أن دار الأرقم كانت بعيدة عن مراكز تجمعات قريش، بالإضافة إلى وقوعها على جبل الصفا مما يُسهّل عملية مراقبة الطرق المؤدية إليها، ثم إن الأرقم كان من قبيلة بني مخزوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيلة قريش.
وكانت بين القبيلتين الكثير من النزاعات، فلا يمكن أن يخطر على بال أحد أن يتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أحد من تلك القبيلة، وقد أكدت الروايات جميعها أن ذلك البيت لم يتعرض لأي خطر طيلة لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فيه، ولقد كان أيضا من المبادئ العظيمة هو الاحتواء، ويقصد بها التحلي بالحكمة وتقدير المواقف بما تستحق، ويظهر ذلك من خلال التعامل مع الأحداث والمراحل والأشخاص، خاصة أن الدعوة الإسلامية قامت بين قوم يقدسون عبادة الأصنام، وكان زعماء العرب كلهم يدينون للأوثان فلم يكن من السهل إقناعهم بتغيير عقيدتهم، والتي تعني تخليهم عن زعامة ورياسة قومهم فكانت سياسة الاحتواء خير سبيل للتعامل معهم لتهيئة الطريق أمام إعلان الدعوة والجهر بها.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
رجوع
واتس اب
تيليجرام
ماسنجر
فايبر
اتصل الآن
    آخر الأخبار