الإنتحار كبيرة من كبائر الذنوب

الإنتحار كبيرة من كبائر الذنوب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله وفق من شاء للإحسان وهدى، وتأذن بالمزيد لمن راح في المواساة أو غدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها نعيما مؤبدا، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أندى العالمين يدا وأكرمهم محتدا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل التراحم والاهتدا وبذل الكف والندى، ومن تبعهم بإحسان ما ليل سجى وصبح بدا، وسلم تسليما سرمدا أبدا، ثم أما بعد روي عن عبد الله أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص له.
فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له ما صنع بك ربك؟ فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر، وهذا الرجل ليس شهيدا، بل هو قاتل النفس، ولكن الله غفر له وأدخله الجنة، وقال الإمام النووي أما أحكام الحديث ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة، وأما الانتحار فهو محرم، وكبيرة من كبائر الذنوب، فقاتل نفسه لأي سبب كان ليس شهيدا قطعا، ولكن مع ذلك يبقى تحت مشيئة الله تعالى.
كغيره من عصاة المسلمين، وإن حكم الفرح تابع لسببه، والحامل عليه، فمن فرح بسبب حصول ما يحبه الله، ويوافق مراده الشرعي، وما ينفع عبدا من عباده، كان فرحه محمودا، ولا ريب في أن نيل الشهادة في سبيل الله مما يحبه الله، ويوافق مراده، وينفع به بعض عباده، وقال السعدي سلاهم بما حصل لهم من الهزيمة، وبيّن الحكم العظيمة المترتبة على ذلك ويتخذ منكم شهداء، وهذا من بعض الحكم لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين، أن قيّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية، والنعيم المقيم، فإذا فرح المسلم لأخيه المسلم المقتول لنيله درجة الشهداء، فهذا فرح محمود، بخلاف من فرح لظهور الكافر عليه، وقتله إياه، ونحو ذلك مما يُعصى الله به، فهذا هو المذموم.
وقال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام لو قتل عدو الإنسان ظلما وتعديا، فسره قتله، وفرح به، هل يكون ذلك سرورا بمعصية الله أم لا؟ قلت إن فرح بكونه عصي الله فيه، فبئس الفرح فرحه، وإن فرح بكونه تخلص من شره، وخلص الناس من ظلمه، وغشمه، ولم يفرح بمعصية الله بقتله، فلا بأس بذلك لاختلاف سببي الفرح، فإن قال لا أدري بأي الأمرين كان فرحي؟ قلنا لا إثم عليك لأن الظاهر من حال الإنسان أنه يفرح بمصاب عدوه لأجل الاستراحة منه، والشماتة به، لا لأجل المعصية ولذلك يتحقق فرحه، وإن كانت المصيبة سماوية، وأما ما يتعلق من ذلك بنواقض الإسلام، فهو بعيد كل البعد عن ذلك، فإن إعانة الكفار أنفسهم على قتال المسلمين بالنفس، والسلاح تكون على وجهين الوجه الأول أن يعينهم محبة لهم، ورغبة في ظهورهم على المسلمين.
فهذه الإعانة كفر مخرج من الملة، والوجه الثاني أن يكون الحامل له على ذلك مصلحة شخصية، أو خوفا، أو عداوة دنيوية بينه وبين من يقاتله الكفار من المسلمين، فهذه الإعانة محرمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكنها ليست من الكفر المخرج من الملة، فإن الحكم بالشهادة لهذا الشخص يرجع إلى السبب الذي مات به، وأما من مات موتا عاديا فلا يعتبر شهيدا، إلا إذا كان صبر في أرض الجهاد طالبا الشهادة بصدق، فنرجو أن يعطيه الله أجر الشهداء ولو مات على فراشه فقد أخرج الطبراني من حديث سلمان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات مرابطا جرى عليه أجر عمله الذي كان يعمل وأمن من الفتان، وبعث يوم القيامة شهيدا، وفي حديث مسلم من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه، وفي حديث مسلم من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء.
وإن مات على فراشه، وبناء عليه فمن قتل من المرابطين هناك بسلاح المقاومة غلطا فنرجو أن يكونوا من الشهداء في الآخرة، فقد أخرج الطبراني من حديث سلمان، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات مرابطا جرى عليه أجر عمله الذي كان يعمل وأمن من الفتان، وبعث يوم القيامة شهيدا” رواه مسلم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت لما كان يوم أحد، هزم المشركون هزيمة بينة، فصاح إبليس أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم على أخراهم، فاجتلدت أخراهم، فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه، فنادى أي عباد الله أبي أبي، فقالت فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة غفر الله لكم، واليمان والد حذيفة رضي الله عنهما قد عده العلماء كابن هشام وغيره في شهداء أحد مع أنه قتله المسلمون خطأ، وينضاف لهذا أن أغلب من يقتلون بالقصف قد يموت بالحرق أو بالهدم.