الأندلس في عهد الدولة الأموية
الأندلس في عهد الدولة الأموية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، قيل أنه كان هناك ثلاثة شبان يعملون حمارين، في الأندلس في عهد الدولة الأموية، وكانوا ينقلون البضائع والناس على حميرهم من مكان إلى آخر، ومن بين هؤلاء الثلاثة كان هناك شاب يدعى محمد ابن أبي عامر، وفي أحد الأيام بعد أن إنتهى الشبان الثلاثة من عملهم اليومي جلسوا يتسامرون، وإذ بمحمد يقول لهم بأن يفترضوا بأنه قد أصبح خليفة وتولى أمور الناس فما الذي يريده كل واحد منهم حينها؟ فضحك الأصدقاء من حديث صديقهم محمد ابن أبي عامر لكنه أصر عليهم أن يسبح كل منهم في خياله.
وأن يخبره كل واحد منهم بأمنيته إن أصبح محمد ابن أبي عامر خليفة للمسلمين وبعد حين تكلم أحد أصدقاء محمد قائلا إن أصبحت خليفة للمسلمين فأريد حديقة واسعة، وإسطبلا للخيل، ومائة جارية، ومئة ألف دينار، فأخبره محمد ابن أبي عامر إن كان يريد شيئا آخر غير هذه الأشياء فإكتفى بها، أما صديقهم الآخر فقال لمحمد إنك تعمل حمّارا فأين أنت من الخلافة والخليفة؟ وإن وقوع السماء على الأرض لأسهل من أن تنقلب حالك من حمار يعمل ببضعة دراهم في اليوم إلى خليفة للمسلمين، فقال له محمد ابن أبي عامر وإن كان؟ فقال له عندها لك أن تجلعني على حمار يمشي بي في المدينة ووجهي إلى وراء وأن يقول المنادي للناس خلفي وأنا في طرقاتها “أيها الناس هذا دجّال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن”
وهنا إنتهى الحوار بين الأصدقاء الثلاثة في المكان الذي إعتادوا أن يجلسوا فيه يوميا، وعاد محمد ابن أبي عامر إلى بيته وبدأ يفكر بالطريق الذي يوصله إلى الخلافة في صبيحة اليوم التالي قرر محمد ابن أبي عامر أن يبيع حماره وأن يلتحق بالشرطة كي يصل إلى هدفه المنشود، وبدأ مع مرور الأيام بالحصول على سلسلة من الترقيات بسبب تفانيه في العمل، وبذله جهدا مضاعفا نال به إعجاب مدرائه حتى أصبح مدير الشرطة في الدولة الأموية في الأندلس، وبعد مرور عدة سنوات توفي الخليفة الأموي آنذاك وكان إبنه صغيرا وغير قادر على تولي شؤون البلاد، فكان أن جُعلت وصاية على الدولة الأموية من قبل مدير الشرطة وإثنين آخرين لتولي الوصاية وحكم البلاد، وبعد فترة من الزمن أصبح محمد ابن أبي عامر، الوصي الوحيد على الدولة الأموية.
وبدأ بفتح الأمصار وتوسعة أعمال الجيش وكان ذلك بعد ثلاثين عاما من بين الحمار في الأندلس لحماره، وهنا بدأت قصة الحمار في الأندلس بكتابة سطورها الأخيرة، حيث تذكر الخليفة محمد ابن أبي عامر، ما دار بينه وبين أصدقائه، وطلب من أحد جنوده الذهاب إلى المكان الذي كان يجتمع فيه مع أصدقائه الحمّارين وأن يجلب له رجلين حدد له أوصافهما، فعرفهما وعرفاه، وهنا بدأ الخليفة بمخاطبة صديقه الأول وذكره بما تمنى إن أصبح خليفة، فقال له بأنه تمنى حديقة واسعة، وإسطبلا للخيل، ومائة جارية، ومائة ألف دينار، فقال له الخليفة لك كل ذلك، وأما الآخر فقال له الخليفة أتذكر ما تمنيت؟ وهنا حاول أن يتهرب مما قاله قبل ثلاثين عاما، لكن الخليفة أصر أن يضعه على حمار ووجهه إلى وراء وأن يقول المنادي للناس خلفه وهو في طرقاتها.
“أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن” حتى يعلم أن الله على كل شيء قدير، وهناك عدة دروس مستفادة من قصة الحمّار في الأندلس، وأول هذه الدروس أن الإنسان المجتهد يستطيع الوصول إلى ما يظنه الناس مستحيلا، لكن يلزمه من أجل الوصول إلى ذلك التخطيط بشكل جيد، وبذل الجهد والمثابرة من أجل تحقيق الهدف، كما يستفاد من قصة الحمّار في الأندلس أن من حق كل إنسان أن يحلم في هذه الحياة، وهذا ما حصل على الرجل الأول الذي تمنى حديقة وجواري ومبلغا من المال إن وصل صاحبه إلى الخلافة، على عكس صديقه الذي سخر مما يمكن أن يحدث مع صديقه الحمّار في المستقبل، ليسخر منه الناس بعد ثلاثين عاما
تابعنا على جوجل نيوز