الأزمات التي واجهت مصر بعد ثورة 25 يناير
الأزمات التي واجهت مصر بعد ثورة 25 يناير
بقلم: القيادي العمالي المستقل محمد عبدالمجيد هندي
مع اقتراب نهاية حكم الرئيس مبارك، كان استقرار البلاد ظاهريًا، رغم بعض التحديات الاقتصادية. الديون الخارجية كانت تحت السيطرة، وحياة المواطن اليومية كانت أسهل نسبيًا. ولكن مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، انفتحت أبواب التغيير، وتبدلت حياة المصريين جذريًا. كانت هذه الثورة تطلعًا لمستقبل أفضل، إلا أن الأحداث التي تلتها جلبت تحديات غير مسبوقة.
بعد سقوط النظام القديم، تولت القوات المسلحة زمام الأمور، وسعت إلى تحقيق الاستقرار الداخلي في وقت عصيب. لم يكن الطريق سهلًا، خاصة مع تصاعد موجات الفوضى وعدم اليقين. كان الجيش يعمل على الحفاظ على تماسك الدولة، ومنعها من الانزلاق نحو المجهول، في وقت كانت الحدود مفتوحة أمام تهديدات الإرهاب التي أصبحت أمرًا يوميًا. هذه التهديدات لم تأتِ فقط من الداخل، بل تسربت عناصر إرهابية من الخارج، مستغلة ضعف الدولة وحالة عدم الاستقرار.
ثم جاء حكم الإخوان، الذي كان نقطة تحول كبرى في تاريخ البلاد. هذا النظام فشل في إدارة شؤون البلاد، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية. زادت موجات الإرهاب، وظهرت الميليشيات المسلحة التي هددت حدود مصر، خاصة في سيناء. لم يكن حكم الإخوان قادرًا على حماية البلاد أو تقديم حلول للأزمة الاقتصادية. على العكس، تفاقمت المشكلات، وانهارت الثقة بين الشعب والحكومة، مما أدى إلى عزلهم في 2013 بعد انتفاضة شعبية أخرى.
تولت القيادة الحالية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد هذه الفترة المضطربة، وكانت الأولوية القصوى هي إعادة الاستقرار. ولكن مع الاستقرار السياسي، ظهرت تحديات اقتصادية هائلة، دفعت الدولة مرة أخرى إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي. في البداية، كان الهدف إنقاذ الاقتصاد المتهاوي، ولكن مع تكرار الاتفاقيات مع الصندوق، زادت المعاناة على المواطن العادي. الشروط التي فرضها الصندوق، مثل تحرير سعر الصرف ورفع الدعم، أثرت بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين، وتسبب التضخم في تدهور الأوضاع المعيشية.
كل هذه الأحداث قادت البلاد إلى دوامة ديون متزايدة. اليوم، نجد مصر غارقة في الديون الخارجية، التي تجاوزت 150 مليار دولار، ومع ذلك، لا نرى نتائج ملموسة في تحسين مستوى حياة المواطن العادي. القروض لم تُستخدم في بناء اقتصاد إنتاجي مستدام، بل تم توجيهها نحو مشروعات ضخمة لم تساهم بشكل فعلي في تخفيف الضغط عن الشعب. الفقر يتزايد، والطبقة المتوسطة تتآكل، والمستقبل يبدو ضبابيًا.
في ظل هذه الأوضاع، أصبح من الضروري التوقف عن تكرار الأخطاء. الحل لا يكمن في اللجوء المستمر للقروض الخارجية، بل في بناء اقتصاد يعتمد على مواردنا وإمكاناتنا. يجب على الحكومة الجديدة أن تكون حكومة قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة لإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة، وأن تركز على تعزيز الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل، مع مراجعة كل الاتفاقيات السابقة مع صندوق النقد الدولي.
على مصر أن تتبنى خطة شاملة للخروج من دوامة الديون، تبدأ بإلغاء كافة الشروط التي فرضها الصندوق، ورفض أي تدخل خارجي يمس سيادة القرار الاقتصادي. علينا أن نبني اقتصادًا قائمًا على الصناعة والزراعة، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي طالما نادى بها الشعب. يجب أن تكون هناك رؤية اقتصادية وطنية، بعيدة عن الاعتماد على القروض الأجنبية التي أثبتت فشلها في تحقيق أي نوع من التنمية الحقيقية.
نحتاج إلى حكومة تمتلك الشجاعة والإرادة لتطبيق إصلاحات جذرية، تستهدف دعم الطبقات الفقيرة والمهمشة، وتخلق فرص عمل حقيقية للشباب. هذه الحكومة يجب أن تكون قادرة على مواجهة التحديات دون الخضوع لضغوط خارجية، وأن تعمل من أجل مصلحة الشعب وليس من أجل مكاسب مؤقتة. إذا لم نتحرك الآن، ستستمر مصر في دوامة الديون والفقر، وسيزداد العبء على الأجيال القادمة.
ختامًا، الطريق للخروج من هذه الأزمات موجود، لكنه يتطلب إرادة حقيقية وقرارات شجاعة. يجب أن نبتعد عن الحلول السهلة التي تفرضها المؤسسات الدولية، ونتبنى رؤية وطنية تعيد مصر إلى مسارها الصحيح. هذا هو التحدي الأكبر، وهو الطريق الوحيد لحماية مصر وشعبها من المخاطر الاقتصادية المؤكدة.
تابعنا على جوجل نيوز