إيمان مصطفى عبد الخالق… زهرة الجنوب التي رسمت الوطن بوجه امرأة

إيمان مصطفى عبد الخالق… زهرة الجنوب التي رسمت الوطن بوجه امرأة
بقلم: الجيوفيزيقي محمد عربي نصار
أُقيم المعرض الفني التشكيلي للفنانة إيمان مصطفى عبد الخالق في قاعة خاصة بجوار قصر ثقافة الغردقة، بالتعاون مع بيت الشباب بالغردقة، واستمر لمدة ثلاثة أيام متتالية من الأحد 11 مايو حتى الثلاثاء 13 مايو 2025، ضمن فعاليات الجمعية الهادفة إلى الحفاظ على التراث المصري وتعزيز الهوية الثقافية.
ضمّ المعرض عشرات الأعمال المستوحاة من البيئة الصعيدية والبدوية والتراث المصري الأصيل، حيث تنوعت اللوحات بين التعبير التجريدي، والموروث الشعبي، ورموز العمارة التقليدية، وتجليات الحياة في الريف والصحراء.
وشهد المعرض حضورًا جماهيريًا لافتًا من المثقفين والفنانين وسكان مدينة الغردقة، الذين أشادوا بجهود الجمعية المنظمة في تسليط الضوء على الطاقات الإبداعية النسائية في صعيد مصر، وتعزيز دور الفن في حفظ الهوية التاريخية والتراث الثقافي. ويُعد هذا الحدث جزءًا من سلسلة فاعليات فنية وثقافية تهدف إلى ربط الفن بالتراث، وتعزيز الحوار الثقافي بين المحافظات المصرية.
من الظل إلى الريادة: سيرة فنانة جنوبية
في مدن الجنوب الهادئة، حيث تتناثر المواهب بالفطرة وتذبل أحيانًا في صمت بسبب قلة الفرص، بزغ نجم فني نسائي فريد، اختار أن يحيا في الهامش ليبقى صادقًا في التعبير… إنها الفنانة التشكيلية والكاتبة إيمان مصطفى عبد الخالق، ابنة محافظة المنيا، التي ناضلت بريشتها وكلماتها لتثبت أن الإبداع لا تحدّه الجغرافيا، ولا توقفه الظروف.
جذور فنية ضاربة في العمق
ولدت إيمان وسط عائلة عريقة في مدينة ملوي، وكان للوراثة الفنية دورها المبكر، إذ كانت والدتها فنانة تشكيلية في خمسينيات القرن الماضي، وتعلمت على يديها أولى خطوات الرسم، بدءًا من رسم علم مصر وهي في الحضانة، وهي الهدية الوطنية الأولى التي ربطتها بالفن والهوية.
ورغم أنها لم تدرس الفنون أكاديميًا، إلا أن موهبتها نمت بشكل استثنائي منذ الطفولة. ففي الصف الثاني الابتدائي، بدأت تحصل على الجوائز في الرسم، وتفوقت على مدرسيها إلى حد أنها كانت تصحح أخطاءهم وترسم بدلاً عنهم لوحات المدارس التي تعلمت فيها، من الابتدائية إلى الثانوية.
“كتر الرسم يعلم الرسم”
كانت هذه المقولة البسيطة من والدتها، هي المنهج الذي تبنته في حياتها الفنية، فالمثابرة كانت معلمها الأول، وقصر ثقافة ملوي كان بيتها الثاني. هناك شاركت في النوادي الصيفية والمسابقات الثقافية، وترددت على مكتبات المدينة: مكتبة نادي المسنين، مكتبة قصر الثقافة، المكتبة العامة، ومكتبة مركز الإعلام والإدارة التعليمية.
وسرعان ما أصبحت معروفة في الأوساط الفنية المحلية، حتى تم توثيق اسمها في كتاب “ملوي التعليمية” الصادر عن مديرية التربية والتعليم ببداية الألفينات، ضمن أعلام ملوي عبر التاريخ، إلى جوار: الرياضي العالمي الدمرداش توني، الفنان آدم حنين، الأديبة سناء جميل، والأديب الخضري عبد الحميد، والمؤرخ الكبير محمد أنور الصناديقي.
فنانة المعارض… وريشة لا تهدأ
منذ عام 1996، شاركت في عشرات المعارض الجماعية بمحافظتي المنيا وأسيوط، وتوجت تجربتها بمعارض فردية مؤثرة. نذكر من أبرز محطاتها:
معرض فني تابع للشباب والرياضة باستاد المنيا (1996)
معرض فردي بمركز إعلام ملوي (1997/1998)
معرض فردي بالحزب الوطني بالمنيا بحضور د. فتحي أحمد (1999)
معرض “رؤى إبداعية”، “بنات النيل”، “انتفاضة القدس”، “عيد المنيا القومي”، ومعرض “قطرات الندى فوق أجمل زهرة” (2002)
معرض ثنائي مشترك مع الفنان الكبير عبادة محمد عبادة (2005)
كما كانت عضوة فعالة في:
مجلس إدارة نادي الأدب بملوي (2003 – 2006)
نادي الفنون التشكيلية بملوي
جمعية محبي الفنون والآداب بالمنيا
قلمٌ لا يقل بريقًا عن الفرشاة
أبدعت إيمان أيضًا في مجال الكتابة الأدبية، فقد كتبت مسرحيتين بعنوان “غزو النمل” و”عالم طراطير”، عُرضتا ضمن مهرجان القراءة للجميع. كما حصلت على المركز الثاني في مسابقة الرواية على مستوى محافظة المنيا عام 2005 عن روايتها “طائر في الظلام”، والتي نشرتها لاحقًا عام 2015 ضمن ورشة “زحمة كتاب” بالقاهرة، وشاركت بها في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
أعمالها في القلوب والذاكرة
لا تزال لوحاتها محفوظة في قصور الثقافة والمؤسسات الحكومية، وقد أهدت كثيرًا من أعمالها إلى كبار المعلمين، والأطباء، وشخصيات عامة من مدينة ملوي. كما نشرت أعمالها الفنية والأدبية في جريدة شباب الخليج الإماراتية من عام 1996 حتى 2004.
المرأة… الوطن الأول في لوحاتها
تأثرت بأساليب فنية لافتة، لا سيما الفنان يوسف فرنسيس وحسين بيكار، وبرز وجه المرأة في معظم أعمالها كتجسيد للهوية، والعاطفة، والحنين. رأت في المرأة مرآة لكل المعاني: الأم، المعلمة، الحبيبة، الوطن… وهي زهرة تعيش رغم العواصف.
الخاتمة
إيمان مصطفى عبد الخالق ليست مجرد فنانة تشكيلية، بل هي شهادة حيّة على قدرة المرأة الصعيدية على مقاومة التهميش بالفن، وعلى تحويل الألم إلى ألوان. رسمت الوطن بوجه امرأة، وكتبت سيرة الجنوب بألوان الطين والشمس، لتبقى مصدر إلهام لكل من أراد أن يؤمن بأن الفن رسالة لا تحتاج إلا قلبًا مؤمنًا وريشة صادقة.