إنما يخشى الله من عباده العلماء

إنما يخشى الله من عباده العلماء
إنما يخشى الله من عباده العلماء
لقد أوصي الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ولده فقال يا بني الناس ثلاثة عالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولن يلجئوا إلى ركن وفيق، فاحذر أن تكون منهم، فاحرص أخي المسلم أن تكون من الحريصين علي المعرفة ولا تضيع وقتك في غير فائدة فقد حكي بعض البلغاء من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله أو حمد حصله، أو خير أسسه أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه، فالعلم يساوي العقل فقد سئل بعض العلماء أيما أفضل المال أم العلم ؟ فقال الجواب عن هذا أيما أفضل المال أم العقل، إذن العقل آلة التفكير، والعلم ثمرته، وهو في الوقت نفسه إعلان وتسجيل لفضل العلم، وإيحاء بتحصيله، فيقف الإنسان على الحقائق، وتزول عنه غشاوة الجهل.
ويحرر من رق الأوهام والخرافات، وبذلك كان الإسلام دين الفكر، ودين العقل، ودين العلم، وحسبنا أن رسوله لم يقدم حُجة على رسالته، إلا ما كان طريقها العقل والنظر والتفكير، وقد ارتفَع القرآن بالعقل، وسجل أن إهماله في الدنيا سيكون سببا في عذاب الآخرة فقال حكاية لما يجري على ألسنة الذين ضلوا ولم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق والعمل به، ومن هنا يقول الله تعالى فى سورة الملك ” لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير” وكذلك ارتفع بالعلم، وجعل أهله في المرتبة الثالثة بعد الله والملائكة، فقال تعالى فى سورة آل عمران ” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم فائم بالقسط” ثم جعلهم وحدهم هم الذين يخشون الله من عباده، بما أدركوا من آثار قدرته وعظمته، فقال بعد أن لفت الأنظار إلى نعم الله وآياته، قال تعالى ” إنما يخشى الله من عباده العلماء”
ومن هنا كَثرت آيات القرآن الواردة في ذم التقليد، وجري الخلف وراء السلف دون نظر واستدلال، هؤلاء الذين ورثوا عقائدهم وآراءهم عن آبائهم وأجدادهم، لا لشيء سوى أنهم آباؤهم وأجدادهم، وكأنهم يرون أن السبق الزمني يخلع على خطة السابقين وآرائهم في المعتقدات، وإفهامهم في النصوص قداسةَ الحق وسلطان البرهان، فالتزموها وتقيدوا بها، وسلبوا أنفسهم خاصة الإنسان خاصة البحث والنظر وفي هذا الشأن، وقد حكى عنهم الجمود على ما كان عليه سلفهم، فهم يرثون أفكارهم وآراءهم، كما يرثون عقارهم وأرضهم، وحكي عنهم اكتفاءهم بمعتقداتهم الموروثة، ووقوفهم بأنفسهم عندها، دون أن يتجهوا إلى الترقي والتدرج في العلم والعمل، ولا شك أن كلا الموقفين الجمود عند الموروث والاكتفاء به مصادم لما تقضي به طبيعة الكون.
وطبيعة كل حي من النمو والتوليد، والتناسل الفكري كالتناسل النباتي والحيواني والإنساني، كلاهما شأن لا بد منه في الحياة، ولو وقَف التناسل الفكري، لارتطم الإنسان في حياته بكثرة ما تلد الطبيعيات التي هو منها، وعندئذ يعجز عن تدبير الحياة النامية التي لم يقدر لها النماء إلا خدمة له وسبيلا لخيره ونفعه، فيتحقق فشله في القيام بمهمة الخلافة الأرضية التي اختير لها، ووكلت إليه منذ القدم، فإن الجمود على آراء المتقدمين، وخططهم في العلم والمعرفة، وأسلوبهم في البحث والنظر جناية على الفطرة البشرية، وسلب لمزية العقل التي امتاز بها الإنسان، وإهدار لحجة الله على عباده، وتمسك بما لا وزن له عند الله.
إنما يخشى الله من عباده العلماء