إلى أين نحن ذاهبون
رؤية د/علوي القاضي
وصلاً بما سبق ، فهنا أطرح سؤالا ، أيهما أشد فتنة على المرء فى دينه؟
أهؤلاء الدجالون الذىن يقلبون الحق إلى الباطل ، ويدعون إلى الكفر بالله الواحد ، أم الدجالون ، بالمعنى الحرفى للدجل ؟!
فمما لاشك فيه أن العلاقة بين أعداء الدين وهؤلاء المتمسلمين وثيقة ولاتنفصم ، فالواقع يؤكد أنه يجب على كل من أراد النجاة من فتنتهم أن يعى حقيقتهم ، وأن يقضى عليهم جميعا فكريا وفلسفياً وثقافياً ، ولايفيد أن يقضى على شق ، ويبقى على الآخر دون القضاء عليهم واستئصال جذورهم الثقافية !
ولكن التاريخ يشهد بأنه منذ فجر الإسلام والمؤامرات تُحاك ضد الإسلام والمسلمين
وأود أن أشير فى عجالة إلى مافعله الصليبيون حينما أرادوا تنصير المسلمين فى الأندلس التى كانت تحت سيادة المسلمين حوالى ثمانية قرون ، فلقد أرادوا إبادة الإسلام فيها عن طريق تنصير المسلمين بالقوة ، فحين سقطت آخر مدينة أسبانية فى أيديهم وهى مدينة غرناطة ، أعلن القساوسة بأن مهمتهم تنصير جميع المسلمين فى الأندلس ! فأُصدرت الأوامر ، بإحراق المصاحف ، والمكتبات الإسلامية ، وتحويل المساجد إلى كنائس ، وعندما غضب المسلمون وثاروا لدينهم ، تم حرق الثائرين ، وبدأت محاكم التفتيش فى تعقب كل المسلمين لرفضهم الدخول فى المسيحية بالقوة ، ومن خلال هذه المحاكم تم تعذيبهم تعذيباً لم تشهد مثله البشرية فى الوحشية والإرهاب ، ومن ذلك رميهم وهم أحياء فى المحارق ، ونزع جلودهم وأظفارهم ، وسحق عظامهم مع لحمهم وتقديمه قوتا للكلاب ، حتى إضطر بعضهم إلى إعلان تنصرهم للإفلات من هذا العذاب ، وخير وصف لماحدث للمسلمين ، قول الشاعر :
كنا عُظاماً فأصبحنا عِظاماً وكنا نقوت فأصبحنا قوت !
..وكنا شموس سماء العلا غربنا فناحت علينا البيوت !
وهكذا كان التنصير بالقوة ، لاخيار إما التنصر أو التعذيب والقتل ، ولم يشهد التاريخ تعذيباً للمسلمين كما شهد على محاكم التفتيش الأسبانية ، ولذلك كان سقوط الأندلس من هزائم الأمة النكراء وربما أقساها ، ثم توالت الهزائم والمصائب حتى تداعت على الأمة جميع الأمم
لذلك نحن بحاجة إلى أن يأتى حكما عدلاً لتوضيح ما اختلف فيه الناس ، وليضحض شبهات المنصّرين بالحجة ، ولا يأتى ليقتل خنزيرا من الخنازير ، بل ليواجه الأفكار الوضيعة التى يزرعها الدجالون فى المجتمع الإسلامى بالحجة والدليل ، ولا يأتى ليفيض مالا ، ولكن ليفيض علما ربانيا لايضاهيه كنوز ، ولا يأتى ليملأ الأرض قسطا وعدلا بأن يقتص للمظلومين من الظلمة ، بل ليملأ الأرض بالإيمان بعد أن ارتفع بُعد النجوم فى السماء ، وليقتص للإسلام العظيم بعد أن امتلأت الأرض ظلما برميه بالشبهات ، وامتلأت جورا بالعقائد الفاسدة ، ولذلك كان لزاما أن يظهر العلماء المجددون فى الوقت المناسب ، والمكان المناسب ، فى هذا العصر الذى قل فيه الإيمان ، وانحدرت الأخلاق ، وامتلأت الأرض بالعقائد المضادة للإسلام ، وحرص فيه المستعمرون على إستعمار الدول الإسلامية بمساعدة الخونة المتأسلمين ، فانتشر فيهم الدجالون الضالون المضلون ، الذين ضلّ سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وافتروا على الإسلام ورغبوا فى كسر شوكته بالشبهات ، فرد عليهم العلماء الثقات المجددون أمثال الإمام محمد عبده والإمام الشعراوي كيدهم فى نحورهم ، بما أيدهم الله من الحجة والبرهان بالدعوة إلى التمسك بمبادئ الدين ، وفاض علمهم الربانى الذى لايضاهيه كنوز ، والذى لم يقبله إلا أصحاب العقول والقلوب الطاهرة ، أما أصحاب العقول الفارغة ، والقلوب الحاقده ، والذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ، فلم يقبلوا كنزه الربانى ، لرغبتهم فيمن يملأ الأرض بالدماء والأشلاء ، ومن يملأ جيوبهم بالأموال !
فكيف تُوحَّد صفوف المسلمين ، وقد رفضوا الإعتصام بحبل الله إلا من رحم ربى ، فحق عليهم غضبه بما عصوا ، فتقاتلوا ، وتفرّقوا !
وأنّى يستجيب الله لهم وقد رفضوا الإعتراف بمبعوث السماء الذى أصلح المفاهيم الخاطئة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وقدم لهم سفينة النجاة من الفتن ، ورفضوا الدخول إليها ! ، وكيف الوقاية من الفتن وهم لم يدخلوا فى جماعة المسلمين من الأساس ، ولم يضعوا أيديهم على الدجالين الذين قال عنهم الرسول الأعظم إن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتى على كل مسلم
رئيس قسم الطب النفسي في أحد الكليات ألقى محاضرة بعنوان (التعلم ، Learning) ، وأوضح كيف أنه من الممكن أننا نكتسب عادات وسلوكيات عن طريق النموذج( القدوةmodeling)ب (الملاحظة observation) ، بمعنى أنك تشاهد شخص قدوة بالنسبة لك ، وتقلده في بعض تصرفاته التي تلاحظها منه ، والدكتور المحاضر ضرب مثال على ذلك بمسرحية مدرسة المشاغبين وكيف أنه بسببها فسدت العلاقة بين التلميذ والمدرس ، وأنه عن طريق مكافأة عواقب السلوك (reward consequences of behaviour) لما حصل ، وكلنا صفقنا لهم وهم يسخرون من المدرسة والناظر
في عقلنا الباطن تنامى عندنا سلوك إن اللي يسخر ويستهزئ بالمدرس يكون شخصا متحضرا بالعامية روش وأننا هنصفق له ، زي ماحصل في المسرحية ، وهذا هو مانراه الٱن في المدارس للاسف ، وبالتالي مطلوب من كل شخص يرى نفسه
(قدوة model) أنه يراقب تصرفاته ، من أجل ذلك أصدرت وزارة الثقافة والإعلام وقتها قرار أن الممثلين لايدخنون أمام الشاشات ، والٱن من الممكن أن نستفيد من ذلك في تربية أبنائنا بطريقة سليمة بأننا نقيم رقابة في البيت على مايشاهدوه على الشاشات
الٱن للأسف أصبح الأطفال في المدارس يقلدون الممثلين في الالفاظ البذيئة والأفعال الفاسدة بدعوى الإيفيهات ، والبنات أصبحت تتفنن في التبرج خارج البيت ، و للأسف لايعترض الأهالي لأنهم تعودوا على هذا السلوك في التليفزيون ويروا أن أولادهم عاديين ولا يحتاجون إلى تهذيب أو تعديل سلوك للأسف أصبح هذا واقعنا
.وأخيرا ، فإنه عندما سُئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلة ، أجاب أن من سمات المجتمعات الفاشلة ، أنه يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح ، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية ، وتظل الغالبية بلهاء دائمًا ، وباستمرار تغلب العاقل ، فإذا رأيت الموضوعات التافهة تتصدر النقاشات في أحد المجتمعات ، ويتصدر التافهون المشهد ، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدًا ، على سبيل المثال ، الأغاني والكلمات التي لامعنى لها ، تجد ملايين الناس يرقصون ويرددوها ، ويصبح صاحب الأغنية مشهورًا ومعروفًا ومحبوبًا ، بل حتى الناس يأخذون رأيهم في شؤون المجتمع والحياة الرويبضة ، أما المفكرون والكتاب ، فلا أحد يعرفهم ولايعطيهم قيمة أو وزنًا
معظم الناس يحبون التفاهة والتخدير ، وفلسفتهم أنه شخص يخدرنا ليغيّب عقولنا عنا و شخص يضحكنا بالتفاهات ، أفضل من شخص يوقظنا للواقع و يؤلمنا بالقول الحق ، ولذلك فإن الديمقراطية لاتصلح للمجتمعات الجاهلة ، لأن الأغلبية الجاهلة هي التي ستقرر مصيرك
الموضوع فعلا كبير وأتمنى أن ننتبه ، أطفالنا أمانه وسيحاسبوا على أفعالهم ، وأتمنى أن ننقذهم وننقذ أنفسنا معهم ، لنكون أمة يفخر بها رسول الله صل الله
عليه وسلم
تابعنا على جوجل نيوز