أخلاق كانت في الجاهلية بقلم / محمـــد الدكـــروري

أخلاق كانت في الجاهلية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 10 فبراير
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد اعلموا أنه ليس من الحياء أن يسكت الإنسان على الباطل ليس منه أن تُعطل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا جبن وخور وضعف وليس من الحياء في شيء قال النووي رحمه الله ” وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتي إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجله، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك.
مما هو معروف في العادة، وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور ومهانة وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء ” ولذا مما تنزه الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” إن الله لا يستحيي من الحق” رواه الترمذي، وليس من الحياء أن يمتنع الإنسان من السؤال عن أمور دينه فالحياء يبعث على الخير ولا يصد عنه، ولذا مدحت عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار بقولها ” رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ” رواه مسلم، فإذا لم يقدر الإنسان على السؤال لعذر يقتضي الحياء فعليه أن يرسل من يسأل له أو يهاتف الشيخ، أو يراسله.
فاحذر من أن يصدك الشيطان عن سبيل العلم وسؤال أهله بإيهامك أن هذا من الحياء، واجعل قول إمامنا مجاهد رحمه الله منك على بال ” اثنان لا يتعلمان، حيي ومستكبر ” وإن الحياء صفة من صفات الله رب العالمين والملائكة والمرسلين وصالح المؤمنين فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربه بذلك فقال “إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين” رواه أبي داود والترمذي وابن ماجه، وكل صفة وصف الله بها نفسه وقامت الأدلة على وصف العباد بها فلا تظنن أن ذلك يعني مشابهة الله لخلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فالفرق بين صفاتنا وصفاته كالفرق بين ذاتنا وذاته، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة” رواه مسلم.
دليل على اتصاف الملائكة به وهو خلق الأنبياء، فقد جاء عن خاتمهم صلى الله عليه وسلم “أربع من سنن المرسلين، الحياء والتعطر والسواك والنكاح ” رواه الترمذي، وقال أبو سعيد رضي الله عنه ينعت نبينا صلى الله عليه وسلم “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء من العذراء في خدرها” رواه الشيخان، وهو خلق المؤمنين الصادقين، والحياء من الأخلاق التي كانت تعرف في الجاهلية، فإن أبا سفيان لما كان على الإشراك سأله هرقل أسئلة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهى الكلام بينهما قال أبو سفيان “والله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت ” رواه الشيخان، وفي غزوة حنين تبع أبو موسى الأشعري أحد الكفار فولى هاربا فقال له أبو موسى رضي الله عنه ” ألا تستحي ؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت ؟” فوقف وتقالا فقتله أبو موسى ” رواه مسلم.